بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 19 سبتمبر 2016

فتاة مثلومة / بقلم الشاعر / ياسين الزبيدي

فتاة مثلومة /قصة قصيرة / 
**************************
---------''--------------------------------

في ذلك البيت الذي تفترشه الوحشة ثمة فتاة مثلومة وزوايا، زوايا تركد فيها الذكريات، ذكريات مخضلة بالدموع تغفو  على كل شيء. 
على درجات السلم وعلى ريشات المراوح وعلى حبل الغسيل ويوميء طيف تلك الذكريات عند  عتبة الابواب. ..وربما كان العزف الحزين لتلك الذكريات ينساب لحنه أكثر من بين طيات ملابس تلك المرأة الراحلة والتي كانت تعطي لتلك الفتاة المثلومة زخما وتوهجا. .
كانت أشبه بزيت يسكب في قنديل فيمنح النور لكل شيء..
الفتاة المثلومة لاتريد للذكريات أن تصحو فصحوتها تعني أن يتجدد الألم ويتعملق وهي التي تحاول أن تتناسى وتدفن كل شيء في رحم الماضي فالقلب والعقل ليس بوسعهما أن يتحملا المزيد. 
ذلك البيت رغم سعته لايكاد يسعها ،لايعيها ولايعي ألمها وهو لايعنيها فرغم سعته يكاد يضيق بها حتى ليكاد يستحيل قنا تنام فيه كدجاجة لاتريم، دجاجة فقدت بيضها واجنحتها ومنقارها. ..
لعهد قريب كانت تلك الفتاة طاووسة تزهو 
تمتليء بالفرح،تعي البيت وتعي جماله لكنها استحالت إلى شتات منذ أن انطفأ سراجها، أمها التي كانت كعطر يضوع شذاه في أركان المنزل، حمامة ترفرف في ارجاءه. .
ذات مساء كنت أجلس قبالتها انظر الى تفاصيل وجهها عندما وقع بصري على برواز يحتضن صورة قديمة لفتيات يحطن بامرأة ستينية. .
لأول وهلة لم أتمكن من التعرف على صاحبات الصورة لكنني بعد التفرس في تلك الصورة استطعت ان أجزم بأن تلك الفتاة التي تجلس على يسار المرأة الستينية هي ذاتها الفتاة التي تجلس امامي الآن أما المرأة الستينية فهي المرأة  ترك رحيلها لحن الحزن يعزف في أرجاء ذلك البيت. 
أشعر بأن تلك الفتاة مليئة بالثقوب، تحمل في رأسها غيوم شتاء لايأذن بانتهاء.
أحيانا  اشعر بأن ثمة رابط يربطنا، ربما يكون ذلك الحزن المرتسم على وجنتيها، ربما سرنا معا بدرب واحد. 
لم يدر بخلدي يوما بأن صاحبة الصورة ستكون بتلك الملامح المشوشة،الذاوية،، يا إلهي يكاد الحزن يلتهمها! !..

في ذلك المساء السالف الذي تجلت فيه حكاية البرواز الضيق الذي يحتضن تلك الصورة الغافية تحت ذرات السنين كنت أجلس أمامها اتفرس في ملامحها دون أن أشعر ها بذلك، باحثا في متاهات ذلك ألوجه  الذي كثيرا مالفحته سموم الزمن القاهر عن أثر للفرح، كنت اتغلغل في دهاليز روحها  (تلك الروح التي تشبه جناحا طائر في ليلة شتائية ) محاولا فك رموزها وبين هذا وذاك كنت اتسائل:ترى من ذا الذي بأستطاعته أن يعيد لذلك الجسد الروح من جديد. ..
سأنفخ دون أن تراني موقدا كانت هي وامها يجلسن حوله يحكين عن القادم والمستقبل، تضع هي رأسها في حجر أمها وتأخذ الأم المتعبة بمداعبة خصلات شعرها، تحكي لها الأم عن ليلة لطالما تمنتها، ليلة تتحول فيها من تنام الآن في حجرها إلى ملاك يدخل فردوسا ملونا، فردوسا سيمتليء بالازاهير والفراشات والحملان.
بيد أن الأم الحالمة رحلت قبل أن تتفتح الزهور عن اكمامها،عندئذ انطفأت جمرات الموقد الذي كانت تنثر من حوله الأمنيات والحكايات والضحكات وامتلأت الفتاة بالثقوب والجراح ولم تدخل ذلك الفردوس الملون وبالتالي لم يكن باستطاعتها أن تملاه بالازاهير والفراشات والحملان. .
انها الآن تجلس في ركن من أركان المنزل لاتملك غيرعينين دامعتين على الدوام وشفتان تبتسمان عبثا وقلب ملون بالألم، تجلس وهي تستمع بذهول إلى لحن الحزن وهو يعزف ليل نهار بينما يداها تمسكان ببرواز قديم يحتضن صورة حزينة تغلفها بحرصها الشديد..
بقلم / ياسين الزبيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق