قصة
(( فات القطار ))
الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل
يرن جرس الهاتف ، يا الهي من هذا الأحمق الذي يتصل في هذا الوقت المتأخر ؟!
يعلو صوت والدتي فجأة : انه السيد نزار يطلبك على الهاتف
اوف .... حتى في البيت لا أرتاح من طلباته وأوامره التي لا تنتهي .
اخبرني بأنه يتوجب علي أن أسافر صباحاً إلى العاصمة كي أستكمل بعض الأوراق الخاصة بالشركة .
على غير العادة سررت بطلب السيد نزار هذه المرة ، اذ أنها فرصة للهروب من روتين العمل الممل ومن رؤية السيد نزار وسماع صوته المزعج .
أخبرت والدتي أن تيقظني صباحاً كي ألحق بالقطار المسافر إلى العاصمة وذهبت مسرعاً إلى السرير كي أنسى ما مر بي من متاعب العمل وجلبة الناس في الشركة ، وطبعاً السيد نزار ، وزحمة السير وشجار السائقين وصوت بائع الخضار ابي حسن ونفاقه في أقناع نساء حارتنا بأن خضرته البلدية أفضل من خضرة أبي علاء البلاستيكية على حد زعمه .
شقت الشمس صدر السماء وقذفت حبالها للأرض الغارقة في ظلمات الليل فابتسم الصباح ابتسامة ساحرة في وجهي على غير عادته .
ارتديت ملابسي وذهبت مسرعاً إلى محطة القطار , وكم كان حظي كبيراً عندما وصلت على الرمق الأخير تماماً وحصلت على التذكرة الأخيرة المتبقية ، تلك التذكرة التي دمعت لها عيون الكثيرين وتكسرت على جنباتها أحلامهم في ذلك الصباح عند شباك التذاكر .
ارتسمت على وجه بائع التذاكر ابتسامة ارستقراطية ونهق بصوت أجش : لم يعد هناك شواغر ارجعوا في الغد ، وأغلق نافذة الأمل على قلوب الجموع المنتظرة .
انطلق القطار وبدأت رحلة اليوم ، ومضى اليوم وأنا جالس بقرب النافذة مستمتع بجمال الطبيعة التي اكتست ثوبها الأخضر فغدت جنة تبهج النفوس ، آه كم أتمنى أن يمر اليوم بلا مشاكل .
فجأة سمعت صوت طفل صغير تحمله والدته في المقعد الأمامي، كان ذو وجه صغير شاحب وعينين كحلتهما أذيال ألم منتظر غائرتين في وجهه كجرحين في صدر ممزق.
لاحظت المرأة نظراتي لطفلها فتقدمت مني وقالت لو سمحت أريد أن أترك الطفل لديك قليلاً ريثما أعود من الحمام .
كان قوامها جميلاً وبدت عليها الرشاقة رغم أنها كانت ترتدي ثوباً فضفاضاً وتضع نقاب على وجهها خرقته عيناها كما تخرق خيوط الشمس عباءة السماء ، لقد شعرت بالضعف أمام عينيها الجميلتين ، أعترف بأنني صعقت بجمال عينيها وأنا قليلا ما تهزني اختلاجات العيون ، فقلت لها على الرحب والسعة .
أخذت الطفل منها وبدأت بملاعبته ، مضى وقت طويل ولم تعد وكل ما مر ت الدقائق ازداد شعوري بالتوتر ، شارفنا على الوصول إلى المحطة الأخيرة ولم تأتي ، احسست أن شيء ما يجري في الخفاء ، فقصدت رجل الأمن في القطار وأخبرته قصتي ، وبسرعة توزع عناصر الأن على أبواب العربات للعثور على أم الطفل بعد أن أعطيته مواصفاتها ، بلغنا وجهتنا ونزل جميع الركاب ولم تظهر تك المرأة
يا الهي أين ذهبت ؟ أين اختفت ؟ أحسست بحراجة الموقف ، كنت أعرف أنه من المستحيل أن يمر علي يوم دون أن أضاجع مشكلة ما
وبينما كنت واقفاً بجانب القطار أحدث ضابط أمن المحطة بدأ الطفل يتخبط بين ذراعي كان يريد أن يقفز من يدي ويذهب إلى امرأة مرت بجوارنا لا يفصلها عن العري إلا بضع سنتمترات قليلة من القماش ، نظرت إلى وجهها تسمرت أمام عينيها ، يا الهي أعرف هذه العيون جيداً انها لأم الطفل ، اقسم انها هي ، قلت ذلك لضابط المحطة فأسرع بالقبض عليها وقادنا سوية ً إلى قسم شرطة المدينة .
بعد التحقيق الطويل والاسئلة وانكار المرة أنها تعرفني أو تعرف الطفل قال المحقق بصوت مرتفع : أنت كاذب هيا اعترف من أين أتيت بهذا الطفل ، كيف تتهم الأبرياء زورا ً مثل هذه المرأة البريئة الطاهرة ؟
واتهمني باشغال السلطات وتقديم بلاغ كاذب وممارسة الفاحشة وربما كل كوارث الدنيا وثقب الأوزون أراد أن يتهمني بها إرضاء لجمال تلك المرأة ، وأمر بإيقافي وإحالتي إلى القضاء .
دخلت السجن وأنا غير مصدق ما حدث ، كيف حصل هذا وكيف خدعتني تلك الماكرة ؟ .
أغلب الظن أن هذا الطفل غير شرعي سمعت كثيراً في الآونة الأخيرة عن أطفال يتركون أمام أبواب دور الأيتام والمساجد و المنازل .
أشعر بصداع يكاد أن يودي برأسي إلى الجحيم .
يا رب ما ذنب هذا الطفل كي يفتح عينيه على هذا الدنيا وهو مجهول النسب ، وأمه الساقطة تركته في القطار مع رجل لا ذنب له سوى أنه يعشق جمال العيون ، ما ذنبه كي يصفه الناس باللقيط أو ابن العاهرة ؟
ما أقسى قلب هذه المرأة كيف لم ألحظ الخبث في عينيها ؟!
كيف لم أنتبه إلى الحوادث المماثلة التي حدثت مؤخراً ؟
امرأة تقبعت الحجاب كي تغطي عهرها ورمت بولدها إلى براثن المجهول كي تتفرغ للهوها ومجونها .
كيف وكيف أسئلة كثيرة تروادني وتدور في رأسي التي تكاد أن تنفجر ولا استطيع مقابلة الإرهاق والوسن
استسلمت للنوم أخيرا ً وكالعادة لم استيقظ إلا على صوت والدتي وهي تقول :
يا الهي كم تحب النوم يا ولدي انهض لقد فات القطار
بقلم : محمد فاخر دحو
(( فات القطار ))
الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل
يرن جرس الهاتف ، يا الهي من هذا الأحمق الذي يتصل في هذا الوقت المتأخر ؟!
يعلو صوت والدتي فجأة : انه السيد نزار يطلبك على الهاتف
اوف .... حتى في البيت لا أرتاح من طلباته وأوامره التي لا تنتهي .
اخبرني بأنه يتوجب علي أن أسافر صباحاً إلى العاصمة كي أستكمل بعض الأوراق الخاصة بالشركة .
على غير العادة سررت بطلب السيد نزار هذه المرة ، اذ أنها فرصة للهروب من روتين العمل الممل ومن رؤية السيد نزار وسماع صوته المزعج .
أخبرت والدتي أن تيقظني صباحاً كي ألحق بالقطار المسافر إلى العاصمة وذهبت مسرعاً إلى السرير كي أنسى ما مر بي من متاعب العمل وجلبة الناس في الشركة ، وطبعاً السيد نزار ، وزحمة السير وشجار السائقين وصوت بائع الخضار ابي حسن ونفاقه في أقناع نساء حارتنا بأن خضرته البلدية أفضل من خضرة أبي علاء البلاستيكية على حد زعمه .
شقت الشمس صدر السماء وقذفت حبالها للأرض الغارقة في ظلمات الليل فابتسم الصباح ابتسامة ساحرة في وجهي على غير عادته .
ارتديت ملابسي وذهبت مسرعاً إلى محطة القطار , وكم كان حظي كبيراً عندما وصلت على الرمق الأخير تماماً وحصلت على التذكرة الأخيرة المتبقية ، تلك التذكرة التي دمعت لها عيون الكثيرين وتكسرت على جنباتها أحلامهم في ذلك الصباح عند شباك التذاكر .
ارتسمت على وجه بائع التذاكر ابتسامة ارستقراطية ونهق بصوت أجش : لم يعد هناك شواغر ارجعوا في الغد ، وأغلق نافذة الأمل على قلوب الجموع المنتظرة .
انطلق القطار وبدأت رحلة اليوم ، ومضى اليوم وأنا جالس بقرب النافذة مستمتع بجمال الطبيعة التي اكتست ثوبها الأخضر فغدت جنة تبهج النفوس ، آه كم أتمنى أن يمر اليوم بلا مشاكل .
فجأة سمعت صوت طفل صغير تحمله والدته في المقعد الأمامي، كان ذو وجه صغير شاحب وعينين كحلتهما أذيال ألم منتظر غائرتين في وجهه كجرحين في صدر ممزق.
لاحظت المرأة نظراتي لطفلها فتقدمت مني وقالت لو سمحت أريد أن أترك الطفل لديك قليلاً ريثما أعود من الحمام .
كان قوامها جميلاً وبدت عليها الرشاقة رغم أنها كانت ترتدي ثوباً فضفاضاً وتضع نقاب على وجهها خرقته عيناها كما تخرق خيوط الشمس عباءة السماء ، لقد شعرت بالضعف أمام عينيها الجميلتين ، أعترف بأنني صعقت بجمال عينيها وأنا قليلا ما تهزني اختلاجات العيون ، فقلت لها على الرحب والسعة .
أخذت الطفل منها وبدأت بملاعبته ، مضى وقت طويل ولم تعد وكل ما مر ت الدقائق ازداد شعوري بالتوتر ، شارفنا على الوصول إلى المحطة الأخيرة ولم تأتي ، احسست أن شيء ما يجري في الخفاء ، فقصدت رجل الأمن في القطار وأخبرته قصتي ، وبسرعة توزع عناصر الأن على أبواب العربات للعثور على أم الطفل بعد أن أعطيته مواصفاتها ، بلغنا وجهتنا ونزل جميع الركاب ولم تظهر تك المرأة
يا الهي أين ذهبت ؟ أين اختفت ؟ أحسست بحراجة الموقف ، كنت أعرف أنه من المستحيل أن يمر علي يوم دون أن أضاجع مشكلة ما
وبينما كنت واقفاً بجانب القطار أحدث ضابط أمن المحطة بدأ الطفل يتخبط بين ذراعي كان يريد أن يقفز من يدي ويذهب إلى امرأة مرت بجوارنا لا يفصلها عن العري إلا بضع سنتمترات قليلة من القماش ، نظرت إلى وجهها تسمرت أمام عينيها ، يا الهي أعرف هذه العيون جيداً انها لأم الطفل ، اقسم انها هي ، قلت ذلك لضابط المحطة فأسرع بالقبض عليها وقادنا سوية ً إلى قسم شرطة المدينة .
بعد التحقيق الطويل والاسئلة وانكار المرة أنها تعرفني أو تعرف الطفل قال المحقق بصوت مرتفع : أنت كاذب هيا اعترف من أين أتيت بهذا الطفل ، كيف تتهم الأبرياء زورا ً مثل هذه المرأة البريئة الطاهرة ؟
واتهمني باشغال السلطات وتقديم بلاغ كاذب وممارسة الفاحشة وربما كل كوارث الدنيا وثقب الأوزون أراد أن يتهمني بها إرضاء لجمال تلك المرأة ، وأمر بإيقافي وإحالتي إلى القضاء .
دخلت السجن وأنا غير مصدق ما حدث ، كيف حصل هذا وكيف خدعتني تلك الماكرة ؟ .
أغلب الظن أن هذا الطفل غير شرعي سمعت كثيراً في الآونة الأخيرة عن أطفال يتركون أمام أبواب دور الأيتام والمساجد و المنازل .
أشعر بصداع يكاد أن يودي برأسي إلى الجحيم .
يا رب ما ذنب هذا الطفل كي يفتح عينيه على هذا الدنيا وهو مجهول النسب ، وأمه الساقطة تركته في القطار مع رجل لا ذنب له سوى أنه يعشق جمال العيون ، ما ذنبه كي يصفه الناس باللقيط أو ابن العاهرة ؟
ما أقسى قلب هذه المرأة كيف لم ألحظ الخبث في عينيها ؟!
كيف لم أنتبه إلى الحوادث المماثلة التي حدثت مؤخراً ؟
امرأة تقبعت الحجاب كي تغطي عهرها ورمت بولدها إلى براثن المجهول كي تتفرغ للهوها ومجونها .
كيف وكيف أسئلة كثيرة تروادني وتدور في رأسي التي تكاد أن تنفجر ولا استطيع مقابلة الإرهاق والوسن
استسلمت للنوم أخيرا ً وكالعادة لم استيقظ إلا على صوت والدتي وهي تقول :
يا الهي كم تحب النوم يا ولدي انهض لقد فات القطار
بقلم : محمد فاخر دحو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق