ابومهدي صالح والانسانية( دراسة من خلال مقاطع القصائد)
بقلم : احمد العربي
..................................................
ما من شاعر الا وفيه انسانية تدفعه الى الى الرقي ، ولعل التاريخ مليء بادباء تركوا بصمتهم الانسانية وتعاطفهم ، بل هناك تركها على الواقع بتوزيع ثروته او مايملك ، وتأتي الانسانية عند الادباء من منعطفات عدة ، وقد ذهب بعض النقاد ان سر نجاح الاديب شاعرا او ناثرا يأتي من خلف تلك المنعطفات التي عدها بعضهم اليتم الدرجة الاولى في حياة الادباء ، وعد بعده العاهة ، ومن ثم البيئة البيتية وخاصة شظف العيش او قساوة الاب على الام وعلى الاديب والى كثير من المنعطفات المؤلمة التي يتمنى الاديب عندما يكبر يعوضها ، هذا مانراه مرسوما في شعر ابومهدي صالح في كل قصائده على الاطلاق ، حتى انه ذكر في ديوانه ( بكاء من ضريح الحسين ع) ان النعي الذي يسمعه على الحسين ع كان يشعره كثيرا بالحزن ويذهب تحت البيادر او ظلال الزور او النخيل بعيدا وهو يودع الشمس باكيا ، لحزن عميق يستفرغه بالدمعة ثم يعود اليه متى ماتوقفت تلك الدمعة ، في النهاية اخذ يبكي بفراشه على فراق والده الذي لا يرى له بديل وخاصة انه في مكان ليس له اعمام او اخول يؤم نفسه بينهم فيشعر بالامان او الطمأنينة ، حتى ان هذا الهاجس هو الذي اخرج له شخصية (( الجوال)) التي حكت اسطورة تمثلت في رؤياه حقيقة ، وذلك ان الجوال جمع رؤوس الحسين ع وابنائه واصحابه والامهات يبحثن عليه ، عسى ان يعطيهن رؤوس ابنائهن وابائهن لكن هذا الجوال ، يدخل من مدينة ويخرج فيتركها دمار ويأخذ الرؤوس التي تقطها الحرب ، وقد اختار قوى الظلام حينها ال سعود واختار قوى النور الشيعة ، وتنبأ ان قوى الظلام ستدمر بغداد ومن حولها ، وقد منعته الدوله ( صدام حسين ) بنشر هذا الديوان وصادرته ، لكن شبح الانسانية التي يطاردها الظلام تحقق فعلا بالعراق !؟
هذا التركيز على ان فئات المجتمع الاكثر هي المظلومة وان الطبقة البسيطة هي التي تظلم بمعارك الساسة فقد كتب عن امرأة شيعية تزوجت من سني وقد اذاعت الخبر قناة الحرة عراق فضج مضجعة ، ونهضت فيه همم الانسانية ان تلك المرأة وابنتها من عمر اربعة عشر ربيعا قد اختارها داعش في الموصل من بين العائلة لانها شيعية واختار ابنتها لجهاد النكاح وخرج الزوج واطفاله من البيت ثم سمع مشادة كلامية ثم سمع اطلاق نار وهرب وبعد يومين رجع الزوج السني الى الطب العدلي ليسلموا له جثة ابنته ويقولوا له ان زوجته لا تستحق الدفن لانها رافضية ولانها قتلت اثنين من الدواعش ، يستلهم هذه الصورة الانسانية الرائعة ، ليخرج لنا قصيدة نثرية بموسيقى رائعة من الفخر بقافية ( حرة انت ياابنة الناصرية) لانها من الناصرية قضاء سوق الشيوخ ، فيترك لنا لوحة مملوءة فخرا للمرأة وبالمقابل رذيلة للساسة ، وهو لم يميز الكرسي السياسي بين اثنين او طائفة دون اخرى ! ثم ليستلهم من ( اطوار بهجت ) تلك الفتاة السنية التي ذبحت من دون ذنب ، اليافعة بالحياة الصحفية الاعلامية :
مَا أخْبَرالنَّاسَ فِي عِذْري ولا كَـتمَ
مَاكُنْتُ أدْرِي وَلو دَرَيْتُ مَا عَلَـمُـوْا
أطْــــوارُ يَا هَــامةً وَقــامَـةً وَرُبَــى
بِكُــــلِّ رابــيّةٍ راياتـــها سَــــــلَمُوا
أطـــوارُ يا طُور دِجْلَة الذي كَتـبَ
ضِـفْتِينِ مِنْ دَمّها سَفْحٌ لها هَــرِمُ
يَابِـنْـتَ الرَّافـدينِ يَا صَـفَا بَـلَــدي
أحْـرَارُنا هم بأطْوَار الهـدى حَلمُوا
مَاهَـٰـكذا رَادتِ الـدُّنْيا بِنا سَـــفَــرُ
لَكِــنّها صِـيّرتْ أيّـاد مَن حَـكَـمُـــوا
مَا أخبرَ الناسَ في عذْري ولا كَـتَمَ
سرِّي ولو كُنْتُ أدري مابها فهمُــوا
تعلق ، بكل اردان الانسانية ليظهر لنا لوحة من دون ان يسأل ، من اي طائفة اطوار بل المحرك كان هو الانسان الذي بداخله، واليتم الذي عصره لان اطوار يتمية كذلك وتركت لها ام واخت فخلدها ، هكذا جاءته الانسانية من علياء نفسه ، انها مظلومة ، ويكفى انها مظلومة! ثم تدحرجت صورة اخرى عندما بلغ ان في انفجار البصرة مدرسة اسمها ( خالدة) احترقت فخرجت من سيارتها وحين اراد النار ان يعريها ، لبسته ثوبا ودخلت مرة اخرى الى سيارتها ، كانت له منبع علوا وانسانيا يشد الى اعنان السماء ، لا الى الارض والمنافع ، فقد قل حينها في مطلع القصيدة:
فالقصيدة انتظرت خالدة ، لا خالدة انتظرت القصيدة
كَشَفْتُ صَدْرِي إلىٰ السّماءِ رَاضِعَةً
تَسْـقي العـراقَ حلِـيب أمّنــا مطـــرُ
اشــربْ فؤادى على روحي مكابــرةً
واعصِـرْ لفمّكَ خمراً من دمـي قـطـرُ
وَاغرسْ أظافركَ العَطْشَى لتشْـــبعكَ
أثـْـــداء مُنـهكـةٍ مـن جـوْعِـهَا غِــبـــرُ
أُمٌّ عــــراقِـــيّــةٍ انا الـتــــي ولـــــدت
مـنْ جَـوفِــها عـاقـلاً أَوْ عالـماً تـبــــرُ
قد رأى ان سمو الروح للسماء هي التي دفعتها لانها تربت على الفضيلة فكانت السماء اقرب لروحها من الارض ، حز ذلك الطيف الانساني الرائع ، الانسان الحر الذي ينتظره ويبكي عليه بين البيادر في ارضه ، ويخط دمعه في طفولته على الوساده ، الانسان يجب ان يبقى فاضلا مهما حدث كالحسين ع هذه هي الانسانية العالية !
ومن ثم عاد ليسجل لنا ملحمة ( اشواق) قصيدة رائعة هي ليس صفة بل علم ، انها الشهيدة ابنة الموصل ( اشواق ابراهيم النعيمي ) تلك المدرسة التي سمت روحها الانسانية للسماء ولم تدع جسدها يسحبها للارض ، تحدت داعش فاعدمت ، انها رفضت تدريس منهجهم اللاانساني ، فكتب ملحمة تؤرخ لصوت الانسانية اعذبها شجوا ووجعا :
أشواق ابراهيم هي التي تخلد القصيدة لا القصيدة تخلد اشواق ابراهيم النعيمي
إلى متـى هـكــذا مسمارك الصـدأ
تحت الضلوع جوى والجرح منفرجُ
فكـــلّـمـا ســـال دمُّـــنَا علــى ألــمٍ
كان الصــديدُ عليه اللونَ منضــرجُ
تخــتّـل الليــــلُ فيـــه مَا يضَــاجعه
مـــــسّ الليــالي لباس حين يخْتـلجُ
آهٍ تحــاكي هزيج النّـاس من دنـفٍ
لا يعلم الضلع ُ في مسمارك الهزجُ
عِ يا فـــؤادي أنــين الروح ســاكنـه
مسِـموعها خــائفٌ فالخــوف منـبلجُ
والكـذبُ عالـمـنـا ديــناره التـــــعـبُ
والمال جيـب السّـماء طيــنها الخـرجُ
ياأيّها الريـح من يغـفو على نصــبٍ
رأيــتُ منهُ نعـاسَ الدّهـــرِ مـنْـعَــرجُ
حسْــب العــراقيَّة الشمّاء في شـممٍ
ياجَــدْجَــدَ الـمُـوصـِل ذا مـالكٌ أرجُ
هكذا يرى ويستمر بقصيدة يطول المقام بها هنا ، في حين تنشر احدى صديقاته بالفيس فتاة بعمر الورد من اوربا الشرقية وبيدها قطة وتقول ( البزونة دخلت سيارتي واخرجتها المنظفة) ليرى ان المعلقين يشيدون بتلك العراقية ذكرت مفردة ( بزونه) ياللهجة العراقية ، الا ان حسه الانساني جعله يعلق يسأل عن تلك الفتاة ، اسمها وسبب خدمتها ليعلو عنده الصوت الانساني ، انه لايعرفها لكن عرف ان انسان بداخله ، لو كانت بنته ، هل رضى لها بهذا المصير ، هذا الصوت الذي يعذبه ويجعله من جديد يتوجع ويخرج لنا قصيدة رائعة اسمها ( ماري ) وينشرها وهي التي سنترككم معها فانها ليس من مذهبه ولا من دينه، ولا من وطنه ، انها من اوربا الشرقية ملئته حزنا، حين رأها مطرقة الرأس تمسك بالقطة وكأنها تقول اننا بنفس المستوى على الاقل بعض الناس هكذا لنا ينظرون ، الا الشاعر رسمها رسما انسانيا فللنظر للوحته ونختم الكلام بها
ماري
((فتاة بعمر الورد تعمل خادمة بيوت ، عندما رأيت صورتها ، جاءت اليها القصيدة مسرعة ، حين تخيلتها ابنتي ))
ابومهدي صالح
في الليـل ناجـتْ بعـينٍ نجمـها عتـباً
ياأيّــها النّـجـم عِــشْ مثلي كإنسانِ
كـلا، أجابـت نجوم الجرْمِ ســـاخطةً
كم من شـقاءٍ يرى في حُـسنك اثنانِ
صغـيرةٌ أَنــتِ يا مـــاري كـلــؤلـــــؤةٍ
لــولا شــقاء أبــيكِ صــــــرتِ إيـمــانِ
ريطــاء ما اجمــل الوجــه الذي نضر
بيضــاء كالــدّرّة الخــضــراء أفـــنانِ
في بــيـتك الضّــائع أتلــو علــى أدبٍ
ياليــتَ عيْـشــَـكِ يا بِنْـتي كبســـتانِي
أسْــقيه من عــرْق جبهـتي على تــرفٍ
وأضلعي دائـــرٌ يحمــيــكِ حـصـنـانِ
آهٍ فمــاعــمــــرك عـمــــرٌ لـخـــادمـــةٍ
أقــرانــك اليـوم في خـــدرٍ وريحــــانِ
يَانـــوْمةَ العاشـقِ الغافي على رحــلٍ
من القــوافــي علـيـها الـمـوت جـذلانِ
مســتكبرٌ في أخـــيهِ غـــير راحـــمــه
والرحـــم في ظـلـْــمــه فــلكٌ وقـــرنانِ
ما حــرّر النـاس مــن عــــبادةٍ ابــداً
مادام فــي الخلــق خـــادمٌ وعبـــدانِ
لله مـا الناس إلّا قشْــــرَ ناســــكة
والبطــن رجــسٍ علـى أثـــمٍ وبطــلانِ
مــاري وثلـث الخليــقةِ التـي صــنعت
مـــاري صـناعــة ثلـــثٍ منـــه ثلـــثانِ
والكفــرُ كفــرٌ وليــس في الـمتين اذا
جحــدته اليـوم في حــروف كـفــــرانِ
فســرّحِي من فُؤادٍ ســـــرّح الشَّــعَرَ
إســكبْ بها ما لها في الهــــرِّ أوطانِ
يا بنــتَ دولتها والحســنُ في رهـــــقٍ
ماالدينُ راضٍ ولا الإنســانُ إنســـاني
هــٰــذا عُبـيْـدٌ وتــلْــك عــبـــدةٌ خــــــدمُ
إلاّ تــوحّــــشَ فـي ديّـــــان ِ ديّـــانـي
صــارت خلــيـقــة رَبِّــي غـير مهـــتـمةٍ
بالخَـــلْق أو خُلْـــقــها والــرُّوح خَــلقانِ
تـبّـاً لـديـنـار حُـــرٌّ صــــار عــابـــــدهُ
تــبّــاً عـلــى تـــرفٍ يُـبْـنى علــى فـاني
إِنّــي تنفّـسْـتُ قهـــراً فـيـك ياوطــنـي
والقــهـرُ أَنْـفاســنا غَـنَّــتْ بأحســـانِ
سِــلْ يا أخي عن هواك يا هوى كمدي
مسـتعطفٌ فـي رجــاءٍ أو بعـــــرفانِي
تفّـــاحُ يسـْــرقُ مــن تـفّــاحِ خـادمــةً
أغــصـانُ تســرقُ من فــلّاحِ أغصانِ
ماهــذه الــروح مـن هـــذا على خلفٍ
لا تـلـك مــن تـلـكَ أو هـــذا بخـــــلّانِ
دنــيا علـــى ركْبــِـها حـــسٌّ ولا خـبرُ
مات الــذي قال فـي مــاري عزيزانِ
بنـيّـتـي أوّل العــزيـــز قـــد فُـــقِـــــدَ
والعــــزُّ في بعـضهم قد صار خـذلانِ
أوطـــانُ تســـرقُ من أوطــانِ عــزّتها
ذلٌّ بهــا هــكــذا يــبـنى بحــيــــطانِ
إِمســحْ علـى الارض طـفـلاً في اناملكِ
يا خـيـبـة الطـفــلِ فـي الآبـاء عِـبْدانِ
وكــــــلّ خـــادمـةٍ مــاري علـى ظــرفٍ
مـــاري لخـــادمــةٍ بوجــهـها الثّـانـــي
بقلم : احمد العربي
..................................................
ما من شاعر الا وفيه انسانية تدفعه الى الى الرقي ، ولعل التاريخ مليء بادباء تركوا بصمتهم الانسانية وتعاطفهم ، بل هناك تركها على الواقع بتوزيع ثروته او مايملك ، وتأتي الانسانية عند الادباء من منعطفات عدة ، وقد ذهب بعض النقاد ان سر نجاح الاديب شاعرا او ناثرا يأتي من خلف تلك المنعطفات التي عدها بعضهم اليتم الدرجة الاولى في حياة الادباء ، وعد بعده العاهة ، ومن ثم البيئة البيتية وخاصة شظف العيش او قساوة الاب على الام وعلى الاديب والى كثير من المنعطفات المؤلمة التي يتمنى الاديب عندما يكبر يعوضها ، هذا مانراه مرسوما في شعر ابومهدي صالح في كل قصائده على الاطلاق ، حتى انه ذكر في ديوانه ( بكاء من ضريح الحسين ع) ان النعي الذي يسمعه على الحسين ع كان يشعره كثيرا بالحزن ويذهب تحت البيادر او ظلال الزور او النخيل بعيدا وهو يودع الشمس باكيا ، لحزن عميق يستفرغه بالدمعة ثم يعود اليه متى ماتوقفت تلك الدمعة ، في النهاية اخذ يبكي بفراشه على فراق والده الذي لا يرى له بديل وخاصة انه في مكان ليس له اعمام او اخول يؤم نفسه بينهم فيشعر بالامان او الطمأنينة ، حتى ان هذا الهاجس هو الذي اخرج له شخصية (( الجوال)) التي حكت اسطورة تمثلت في رؤياه حقيقة ، وذلك ان الجوال جمع رؤوس الحسين ع وابنائه واصحابه والامهات يبحثن عليه ، عسى ان يعطيهن رؤوس ابنائهن وابائهن لكن هذا الجوال ، يدخل من مدينة ويخرج فيتركها دمار ويأخذ الرؤوس التي تقطها الحرب ، وقد اختار قوى الظلام حينها ال سعود واختار قوى النور الشيعة ، وتنبأ ان قوى الظلام ستدمر بغداد ومن حولها ، وقد منعته الدوله ( صدام حسين ) بنشر هذا الديوان وصادرته ، لكن شبح الانسانية التي يطاردها الظلام تحقق فعلا بالعراق !؟
هذا التركيز على ان فئات المجتمع الاكثر هي المظلومة وان الطبقة البسيطة هي التي تظلم بمعارك الساسة فقد كتب عن امرأة شيعية تزوجت من سني وقد اذاعت الخبر قناة الحرة عراق فضج مضجعة ، ونهضت فيه همم الانسانية ان تلك المرأة وابنتها من عمر اربعة عشر ربيعا قد اختارها داعش في الموصل من بين العائلة لانها شيعية واختار ابنتها لجهاد النكاح وخرج الزوج واطفاله من البيت ثم سمع مشادة كلامية ثم سمع اطلاق نار وهرب وبعد يومين رجع الزوج السني الى الطب العدلي ليسلموا له جثة ابنته ويقولوا له ان زوجته لا تستحق الدفن لانها رافضية ولانها قتلت اثنين من الدواعش ، يستلهم هذه الصورة الانسانية الرائعة ، ليخرج لنا قصيدة نثرية بموسيقى رائعة من الفخر بقافية ( حرة انت ياابنة الناصرية) لانها من الناصرية قضاء سوق الشيوخ ، فيترك لنا لوحة مملوءة فخرا للمرأة وبالمقابل رذيلة للساسة ، وهو لم يميز الكرسي السياسي بين اثنين او طائفة دون اخرى ! ثم ليستلهم من ( اطوار بهجت ) تلك الفتاة السنية التي ذبحت من دون ذنب ، اليافعة بالحياة الصحفية الاعلامية :
مَا أخْبَرالنَّاسَ فِي عِذْري ولا كَـتمَ
مَاكُنْتُ أدْرِي وَلو دَرَيْتُ مَا عَلَـمُـوْا
أطْــــوارُ يَا هَــامةً وَقــامَـةً وَرُبَــى
بِكُــــلِّ رابــيّةٍ راياتـــها سَــــــلَمُوا
أطـــوارُ يا طُور دِجْلَة الذي كَتـبَ
ضِـفْتِينِ مِنْ دَمّها سَفْحٌ لها هَــرِمُ
يَابِـنْـتَ الرَّافـدينِ يَا صَـفَا بَـلَــدي
أحْـرَارُنا هم بأطْوَار الهـدى حَلمُوا
مَاهَـٰـكذا رَادتِ الـدُّنْيا بِنا سَـــفَــرُ
لَكِــنّها صِـيّرتْ أيّـاد مَن حَـكَـمُـــوا
مَا أخبرَ الناسَ في عذْري ولا كَـتَمَ
سرِّي ولو كُنْتُ أدري مابها فهمُــوا
تعلق ، بكل اردان الانسانية ليظهر لنا لوحة من دون ان يسأل ، من اي طائفة اطوار بل المحرك كان هو الانسان الذي بداخله، واليتم الذي عصره لان اطوار يتمية كذلك وتركت لها ام واخت فخلدها ، هكذا جاءته الانسانية من علياء نفسه ، انها مظلومة ، ويكفى انها مظلومة! ثم تدحرجت صورة اخرى عندما بلغ ان في انفجار البصرة مدرسة اسمها ( خالدة) احترقت فخرجت من سيارتها وحين اراد النار ان يعريها ، لبسته ثوبا ودخلت مرة اخرى الى سيارتها ، كانت له منبع علوا وانسانيا يشد الى اعنان السماء ، لا الى الارض والمنافع ، فقد قل حينها في مطلع القصيدة:
فالقصيدة انتظرت خالدة ، لا خالدة انتظرت القصيدة
كَشَفْتُ صَدْرِي إلىٰ السّماءِ رَاضِعَةً
تَسْـقي العـراقَ حلِـيب أمّنــا مطـــرُ
اشــربْ فؤادى على روحي مكابــرةً
واعصِـرْ لفمّكَ خمراً من دمـي قـطـرُ
وَاغرسْ أظافركَ العَطْشَى لتشْـــبعكَ
أثـْـــداء مُنـهكـةٍ مـن جـوْعِـهَا غِــبـــرُ
أُمٌّ عــــراقِـــيّــةٍ انا الـتــــي ولـــــدت
مـنْ جَـوفِــها عـاقـلاً أَوْ عالـماً تـبــــرُ
قد رأى ان سمو الروح للسماء هي التي دفعتها لانها تربت على الفضيلة فكانت السماء اقرب لروحها من الارض ، حز ذلك الطيف الانساني الرائع ، الانسان الحر الذي ينتظره ويبكي عليه بين البيادر في ارضه ، ويخط دمعه في طفولته على الوساده ، الانسان يجب ان يبقى فاضلا مهما حدث كالحسين ع هذه هي الانسانية العالية !
ومن ثم عاد ليسجل لنا ملحمة ( اشواق) قصيدة رائعة هي ليس صفة بل علم ، انها الشهيدة ابنة الموصل ( اشواق ابراهيم النعيمي ) تلك المدرسة التي سمت روحها الانسانية للسماء ولم تدع جسدها يسحبها للارض ، تحدت داعش فاعدمت ، انها رفضت تدريس منهجهم اللاانساني ، فكتب ملحمة تؤرخ لصوت الانسانية اعذبها شجوا ووجعا :
أشواق ابراهيم هي التي تخلد القصيدة لا القصيدة تخلد اشواق ابراهيم النعيمي
إلى متـى هـكــذا مسمارك الصـدأ
تحت الضلوع جوى والجرح منفرجُ
فكـــلّـمـا ســـال دمُّـــنَا علــى ألــمٍ
كان الصــديدُ عليه اللونَ منضــرجُ
تخــتّـل الليــــلُ فيـــه مَا يضَــاجعه
مـــــسّ الليــالي لباس حين يخْتـلجُ
آهٍ تحــاكي هزيج النّـاس من دنـفٍ
لا يعلم الضلع ُ في مسمارك الهزجُ
عِ يا فـــؤادي أنــين الروح ســاكنـه
مسِـموعها خــائفٌ فالخــوف منـبلجُ
والكـذبُ عالـمـنـا ديــناره التـــــعـبُ
والمال جيـب السّـماء طيــنها الخـرجُ
ياأيّها الريـح من يغـفو على نصــبٍ
رأيــتُ منهُ نعـاسَ الدّهـــرِ مـنْـعَــرجُ
حسْــب العــراقيَّة الشمّاء في شـممٍ
ياجَــدْجَــدَ الـمُـوصـِل ذا مـالكٌ أرجُ
هكذا يرى ويستمر بقصيدة يطول المقام بها هنا ، في حين تنشر احدى صديقاته بالفيس فتاة بعمر الورد من اوربا الشرقية وبيدها قطة وتقول ( البزونة دخلت سيارتي واخرجتها المنظفة) ليرى ان المعلقين يشيدون بتلك العراقية ذكرت مفردة ( بزونه) ياللهجة العراقية ، الا ان حسه الانساني جعله يعلق يسأل عن تلك الفتاة ، اسمها وسبب خدمتها ليعلو عنده الصوت الانساني ، انه لايعرفها لكن عرف ان انسان بداخله ، لو كانت بنته ، هل رضى لها بهذا المصير ، هذا الصوت الذي يعذبه ويجعله من جديد يتوجع ويخرج لنا قصيدة رائعة اسمها ( ماري ) وينشرها وهي التي سنترككم معها فانها ليس من مذهبه ولا من دينه، ولا من وطنه ، انها من اوربا الشرقية ملئته حزنا، حين رأها مطرقة الرأس تمسك بالقطة وكأنها تقول اننا بنفس المستوى على الاقل بعض الناس هكذا لنا ينظرون ، الا الشاعر رسمها رسما انسانيا فللنظر للوحته ونختم الكلام بها
ماري
((فتاة بعمر الورد تعمل خادمة بيوت ، عندما رأيت صورتها ، جاءت اليها القصيدة مسرعة ، حين تخيلتها ابنتي ))
ابومهدي صالح
في الليـل ناجـتْ بعـينٍ نجمـها عتـباً
ياأيّــها النّـجـم عِــشْ مثلي كإنسانِ
كـلا، أجابـت نجوم الجرْمِ ســـاخطةً
كم من شـقاءٍ يرى في حُـسنك اثنانِ
صغـيرةٌ أَنــتِ يا مـــاري كـلــؤلـــــؤةٍ
لــولا شــقاء أبــيكِ صــــــرتِ إيـمــانِ
ريطــاء ما اجمــل الوجــه الذي نضر
بيضــاء كالــدّرّة الخــضــراء أفـــنانِ
في بــيـتك الضّــائع أتلــو علــى أدبٍ
ياليــتَ عيْـشــَـكِ يا بِنْـتي كبســـتانِي
أسْــقيه من عــرْق جبهـتي على تــرفٍ
وأضلعي دائـــرٌ يحمــيــكِ حـصـنـانِ
آهٍ فمــاعــمــــرك عـمــــرٌ لـخـــادمـــةٍ
أقــرانــك اليـوم في خـــدرٍ وريحــــانِ
يَانـــوْمةَ العاشـقِ الغافي على رحــلٍ
من القــوافــي علـيـها الـمـوت جـذلانِ
مســتكبرٌ في أخـــيهِ غـــير راحـــمــه
والرحـــم في ظـلـْــمــه فــلكٌ وقـــرنانِ
ما حــرّر النـاس مــن عــــبادةٍ ابــداً
مادام فــي الخلــق خـــادمٌ وعبـــدانِ
لله مـا الناس إلّا قشْــــرَ ناســــكة
والبطــن رجــسٍ علـى أثـــمٍ وبطــلانِ
مــاري وثلـث الخليــقةِ التـي صــنعت
مـــاري صـناعــة ثلـــثٍ منـــه ثلـــثانِ
والكفــرُ كفــرٌ وليــس في الـمتين اذا
جحــدته اليـوم في حــروف كـفــــرانِ
فســرّحِي من فُؤادٍ ســـــرّح الشَّــعَرَ
إســكبْ بها ما لها في الهــــرِّ أوطانِ
يا بنــتَ دولتها والحســنُ في رهـــــقٍ
ماالدينُ راضٍ ولا الإنســانُ إنســـاني
هــٰــذا عُبـيْـدٌ وتــلْــك عــبـــدةٌ خــــــدمُ
إلاّ تــوحّــــشَ فـي ديّـــــان ِ ديّـــانـي
صــارت خلــيـقــة رَبِّــي غـير مهـــتـمةٍ
بالخَـــلْق أو خُلْـــقــها والــرُّوح خَــلقانِ
تـبّـاً لـديـنـار حُـــرٌّ صــــار عــابـــــدهُ
تــبّــاً عـلــى تـــرفٍ يُـبْـنى علــى فـاني
إِنّــي تنفّـسْـتُ قهـــراً فـيـك ياوطــنـي
والقــهـرُ أَنْـفاســنا غَـنَّــتْ بأحســـانِ
سِــلْ يا أخي عن هواك يا هوى كمدي
مسـتعطفٌ فـي رجــاءٍ أو بعـــــرفانِي
تفّـــاحُ يسـْــرقُ مــن تـفّــاحِ خـادمــةً
أغــصـانُ تســرقُ من فــلّاحِ أغصانِ
ماهــذه الــروح مـن هـــذا على خلفٍ
لا تـلـك مــن تـلـكَ أو هـــذا بخـــــلّانِ
دنــيا علـــى ركْبــِـها حـــسٌّ ولا خـبرُ
مات الــذي قال فـي مــاري عزيزانِ
بنـيّـتـي أوّل العــزيـــز قـــد فُـــقِـــــدَ
والعــــزُّ في بعـضهم قد صار خـذلانِ
أوطـــانُ تســـرقُ من أوطــانِ عــزّتها
ذلٌّ بهــا هــكــذا يــبـنى بحــيــــطانِ
إِمســحْ علـى الارض طـفـلاً في اناملكِ
يا خـيـبـة الطـفــلِ فـي الآبـاء عِـبْدانِ
وكــــــلّ خـــادمـةٍ مــاري علـى ظــرفٍ
مـــاري لخـــادمــةٍ بوجــهـها الثّـانـــي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق