بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 10 سبتمبر 2017

مأساة إمرأة (١) / بقلم الشاعره / أمال مصطفي الشامي

تحكى هذه القصة عن فتاة ليست كأى فتاة إنها مختلفة عن جميع الفتيات لم يكن الإختلاف فى الجمال أو الطبع ولكن الإختلاف فى الحياة ذاتها خرجت هذه الفتاة من بطن أمها إلى بطن عالم غريب ليس له أشهر وليس له ميعاد ولادة ..عاشت طفولتها ما بين الدباديب والعرائس التى كانت تعتبرهم أصدقائها ..حيث كانت طفولتها بلغة الصمت وبرغم عدم اختلاطها بالأطفال كانت علاقتها بألعابها تملأ حياتها وبرغم وحدتها وصمتها كان حضن أبيها وأمها يكفياها ..لكن بعد  أربع سنوات جاء الأخ الذى سرق منها أحضان والديها حيث سرق مكان نومها بين أبيها وأمها وأصبح مكانها بجوار جدتها فى حجرة أخرى حيث سرق أيضا الإهتمام وأصبح هو الإبن المدلل .. أما هى فوجدتهم يطلقون عليها لقب الأخت الكبيرة التى يجب أن تتنازل دائماً عن ألعابها لأخيها الصغير وشيئا فشيئا  تلاشي أصدقائها من بين يديها حيث ذادت وحدتها وعند سن الخمس  سنوات بدأت ترى المشاكل والمشاجرات بين أبيها وأمها وكلما تذداد هذه المشاجرات كان ينتهى الوضع برحيل والدها من البيت كان يترك البيت بالشهور الطويلة ويذهب إلى بيت والدته فكانت هذه الفتاة تنتظر والدها بدموع الحرمان إلى أن يأتي فى نهاية كل أسبوع ويأخذها هى وأخيها و يقيمون معه الخميس والجمعة ثم يعودوا فى يوم السبت إلى أمهم للمدارس ..انعقدت حياتها بالتشتت وعدم الأمان وبمرور الشهور عاد أبوها الى أمها فى بيت واحد ولكن لم تخلو حياتهم من المشاكل بعد فلقد حدثت لها أزمة نفسية جعلتها تفقد النطق وكانت طفولتها مدمرة .. كان الجميع يحاول احتوائها حتى عاد لها النطق من جديد ولكن لم يعود الأمان إلى قلبها مرة ثانية وبمرور الأيام ماتت جدتها التى كادت أن تكون هي الشخص الوحيد الذى يملأ حياتها ولكن سرعان ما افتقدتها وساد الفراغ من حولها ..ومر العمر بها أخذت تكبر الفتاة وهى كما هى وحيدة بلا حبيب ولا صاحب منعزلة تماما عن جنس البشر أحيانا تغمرها الوحدة إلى طريق اليأس فتضيق الدنيا بها وتصبح كالعصفور فى قفص مغلق لم يسأل عنها أحد ولم يشعر بها إنسان ..يقولون عنها دائماً إنها فتاة طفولية رقيقة وناعمة وذات  قلب أبيض ونية صادقة يري الناس فى عينيها براءة الأطفال وعلى وجهها الخجل والحزن يختلطان ..يراها الناس دائماً هائمة إلى دنيا أخري ولا أحد يدرى بما داخلها سواها ..تعشق السهر فى الليل حيث إنها تنتظر الشروق كل ليلة قبل النوم كإنتظار الحبيبة لحبيبها بينما كانت تقضى ساعات الإنتظار طوال الليل فى كتابة كلمات وسطور تحمل جميع معانى الحزن والوحدة واليأس حيث كانت تغلق صفحاتها مع بداية أول لحظات الشروق لتستعد للقاءه بنظراتها إلى السماء بتلك العيون اليائسة. . عاشت حياتها وهى لم تشعر بالأمان مطلقا ..فعند كل موقف يحدث لها يسيطر الخوف على أفكارها ويجعلها مترددة فتتغلب دائماً على ترددها بالتسرع بالقرار الخطأ فلا تجد من ينصحها ..وإن نصحها أحد فتكتشف بعد ذلك إنه يضللها ليستفيد من وراء سزاجتها وبرائتها حتى فى إختيار لبسها تشعر أن جميع الاراء حولها تضللها من بنات خالتها وغيرهم من الأقارب وسرعان ما تجد من أحبابها أعداء يحقدون عليها فكانت تسأل نفسها دائماً كيف تأمن لإنسان وكيف تعطى الأمان ..كانت ترى البشر حولها مخيف وكأنها مثل القطة وسط أسود .. مثل العظمة وسط كلاب .. مثل الفأر وسط وحوش إنها فتاة ضعيفة ذات قلب حزين ..بالنسبة للسعادة لا تتمكن من الشعور بها تبتسم فى وجه الخوف ..تواجه جراحها وحدها مهما كانت مؤلمة ..لا تبوح لأحد عما بداخلها مهما كان الصراع ..أحياناً تخدعها عواطفها ويراودها قلبها أن تتجه إلى أحد أقاربها تشكى مشاعرها المكبوتة فتعود نادمة على أنها وثقت بعد أن تفتش أسرارها أمام أعينها.. فقدت الثقه فى جميع من حولها بل كان الأمان ينعدم من حياتها تدريجيا .. وبرغم مرور العمر بها مازالت صغيرة كالقطة المغمضة لم تعلم شيئا عن الحياة مطلقاً فالحياة بالنسبة لها شىء غامض.. مجهول لا تستطيع مواجهته..إنها فتاة غائبة عن الحياة.. حقا غائبة عن الحياة.. أريد أن أعترف بأن هذه الفتاة هى أنا .. نعم أنا..أنا الغائبة الحاضرة.. أنا الغارقة التائهة أنا التى لا أستطيع أن أشعر بالأمان يوماً واحداً .. لا أريد أن أنحاز إلى أبى ضد أمى أو إلى أمى ضد أبى ولا أريد أن أتكلم عن سبب المشاكل فى بيتنا لأننى فى الحقيقة بعيدة كل البعد عن كل هذا.. إننى أعيش فى عالم آخر .. عالم الوحدة والخوف عالم الفضاء والصمت إنه عالمى الذى نشئت فيه وكبرت فيه .. كان يأتينى الكثير من العرسان الذين يطمعون فى جمالى وبرائتى وكنت ارتجف كثيرا كلما يأتي شخصاً منهما إلى بيتنا ويجلس مع أبى لأنى كنت على يقين بأن حياتى سوف تصبح مثل حياة أبى وأمي التى لم تخلو من المشاكل وإنني سوف أعيش نفس المأساة التى أراها فى كل بيت حولى من خيانة الزوج أو ضربه لزوجته وكنت رافضة الزواج رفضا باتاً.. فأنا لا أشعر بالأمان حتى فى مستقبلى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق