بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 أغسطس 2017

حـــــــــــــادي العيـــــــــــــــــــــــس /بقلم الشاعر/د.المفرجي الحسيني

حـــــــــــــادي العيـــــــــــــــــــــــس
---------------
: ينبغي أن نذهب بعيداً إلى حيث لا يصل النظر ولا يُتَّبع الأثر
  هناك حيث نذهب تحت نجوم السماء
  قورنت بحبات رمل الصحراء إنها تبدو كبيرة
  انتهى حادي العيس من الوعظ ظلَّ وجهه متجمداً متحجراً
 نصف حدأة ونصف إنسان
   أطرش عن الأصوات القاسية البشعة الصراخ والضجيج
 أعمى عن النظرات الخبيثة الإيماءات الحادة والغضب
  بلا إحساس بالجروح والضرب
 نكلمه بلطف ننحني على عينيه كي يرانا
  ندفئ أيدينا بأنفاسنا يحس إذا لمسناه
 بعد ليلة  أخرى على الرحيل في الصحراء 
 رأينا من بعيد ركباً آخر ما كنا نعلم أن الركب 
يسير في السراب  في الصحراء  الضباب  كان يضيئه القمر
  وجه يتمايل مع حركة الناقة الصفراء
لم أكن أعرف من أنا ليس أكثر مما أعلم الآن من أنا
  ظننت أني تعرفت على حادي العيس من بين جمّالي الركب
  لا يأكل لا يتكلم يعمل كعبد
   أتى بنا نرى الركب الآخر يمر
  يعرف أكثر عما حدث تلك الليلة
 تجمد فيها وجهه كالصخر كالحجر
 سكتت أغاني الجمالين وشخيرهم أثناء الليل
   يحاكي صفير الريح في عوسج الصحراء وصبارها
 الليل واسع على الصحراء
 هدوء الركب يسير لا نميز حركة الجمال
: قل لي أي اتجاه نسلك في هـذه البيداء ما هدفنا في أي واحة نحط
 : لا واحة لا اتجاه  لنا هدف علينا أن نسير
  وجهه مثل مدينة معدنية أمام عاصفة رملية
 هواء البيداء يقطع شفاهنا
 النعاس يتغلب على أجفان عيوننا
حادي العيس أول الركب
 مثل ناقة وعيناه العمياوان الباصرتان
 متسمرتان في الفراغ والليل
 يداه ممتدة إلى أمام كأنه يمسك بزمام الهدف
مارداً بقدمين من رمل ...
 وجهه جامداً كمدينة نائمة
 تلك الليلة مرَّ بنا ركب بلا هودج
 بلا حادي يسير بلا اتجاه
 ربما هي التي نبحث عنها
 لولا صوت من الأمام يقول
 آه لو علمتم لم يختلف شبح الموت عن ظلمة الليل؟! 
: من أنت؟! : أنا لا أعلم من أنا
 في قدح في يدي التي أمسك بها كنت أجني الظل
  يسقط من جفون الإنسان كي يكبر الليل؟!
  الآن فليس عندي يدان ولا قدح
 ليس للناس جفون تتصل بها الرؤيا في الظلمات والنوم
 إنهم أيقاظ، كالنوق
 : نبكي خوفاً من الفجر تحت بصيص النجوم
 :أنا مبتسم الوجه كي يراني عبر شبكة جفونه الكثيفة 
: لماذا يختفي الركب الآخر البعيد عن بزوغ النهار؟!
:  يختفي مثل كنيسة مثل جامع مثل معبد
  يُمحى من عيوننا عندما نكون في داخله للعبادة؟!
 ظل حادينا في المقدمة
 خائفين ووجوده بدَّدَ مخاوفنا كالجبل الجليدي
: ما أسهل الحياة عندما تكون السماء في داخلنا
 ما أصعبها عندما يشغلنا العالم وندع السماء خارجاً؟
 توقف الركب عن المسير واجتمعنا بدائرة مع الجمال والنوق
 نتمنى أن نكون سعداء
 قال: نبتهل إلى صاحب السماء والطير والصحراء
:ربنا اجعلنا نموت كما يموت الأنبياء
  بعضنا يموت موتاً عجباً
اجعلنا نموت موتاً بحضور أهلنا وأنفسنا
لا تجعلنا نعجب بشجاعة الذين يحتقرون الحياة
لا تسمح لنا أن نشفى من كل الأمراض
 لأن مرض الموت نتعذب به منذ ولادتنا 
بعد الابتهال : 
عندما يموت من حولنا من نقص الغذاء
 يغدو شاغلنا أن نعطيهم ما يأكلون
 إن الله لا يتجلى على شعب جائع عاطل عن العمل
 إلا بمنحه العمل والغذاء
 خلق الله الإنسان كي يربح عيشه بعمله
 إن قانونه: إن من يأكلون من غير عمل يسرقون
 إنهم لصوص
 إننا نعيش من استغلال المواطنين لأننا نأكل ما ليس يخصنا.. 
 صوته وحديثه قلقاً علينا وبدا غريباً
  يقظ اظلمت السماء عاصفة مهددة
 انتهت العاصفة حل محلها هدوء وشروق وردي
  من بعيد بدا الركب الآخر يسير مثل شبح ثم اختفى
 : ماذا سيحل بنا بعدُ: كنا اختفينا
 اتجه صوب الأفق الذي اختفى فيه الركب الآخر وأصبح كالشبح
 : الليلة أيضاً نجتمع
  : الأرواح لا يتصل بعضها ببعض إلا في الماضي
 أما الأجساد فتتصل بالحاضر : متابعاً حديثه
: صماء هي الأذن التي لا تذكر غناء طائر
 عمياء هي العين التي إذا أغلقت 
لا تجد تحت جفنيها ابتسامة
 وجه معبود حتى ولو كان ميتاً
 أو ألوان منظر كانت فيه سعيدة
 لماذا ينسخ النهر مجراه
 إن لم يكن من أجل تذكرها بعد أن تغادره
: أرجو أن تصغي إليَّ
   الإصغاء يختلف عن المعاناة الأحلام تتهدم الكوابيس تستفيق منها
 أبطال الروايات يمحون ينقطعون عن الوجوه حين تقلب الصفحة 
أن الواقع لا يُمحى أبداً
هبَّ واقفاً نسير بلا اتجاه
 هدفاً لم نقصده بعد
 أعطونا يوماً بلا موتى
 أعطونا يوماً بلا موتى
راح يجهش بالبكاء ...!!
*****
د.المفرجي الحسيني
حادي العيس
العراق/بغداد
26/8/2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق