بعْــدَ السِّــتّـيـن
=========--------------- الشاعر حسن منصور
--
أوقفــني صـاحــبي ليسـألــني || مُخْــتنقَ الصـوتِ بادِيَ الحَـزَن
فقـال هــل ظــل عـندنا أمـــلٌ || وهــل لنا في الحــيـاة من ثمـن
بعـد حـياةٍ بالـوَجْــدِ حــافـلـــةٍ || وبعـد دهــرٍ لم يَخْـلُ من مِحَــن
جاوَزْتُ سـتّينَ غــيرَ مُكترثٍ || في غــفـلة أدنَـتْـني مـن الكـفــن
حتى بدا نورٌ في دجى شَعَري || أحــالَـهُ فــجــراً مُـشْرِق القُـنَـن
كأنه مـن خــلـف السمــاء أتى || ما زلـتُ لا أدري كيف أيقظني
مــنذُ بدا للــعَـيْـنـَــيْن لازَمَـني || عـلى مــدى أيامــي يُــؤرِّقُــني
لأنــه نـورٌ غــــيـرُ مُــلـتَـبـِسٍ || علمْـتُ مـنه ما كان يَـنْـقُـصُني
نبَّـهَــني للــزّمانِ كيف مضى || أيقــظَ في ذهــني دَوْرَةَ الـزَّمـن
وقال لي في صدقٍ شعرت به:|| (حــياتُـنـا رَهْـــنُ ذلـك السَّـنَـن
حــياتـنــا غــيْـمــاتٌ مسافــرةٌ || كأنّـهــا في الآفـــاق لـــم تَـكُـن
والعُمْــرُ فـيها كالبرق يعـبُرُها || ويختــفي ضــوؤُه مع الدُّجَن.)
سمعـت ما قـال بعد أن غَرَبَتْ || آهٍ عـليهـا كالحـلمِ في الـوَسَـن!
*********
فـقلـت يا صـاحـبي يُحـــيِّـرُني || أنـَّـك كُفْءٌ بفـكــرك الفَـــطِـن
وتعرف الـدنيا حـين تُضْـحِكُـنا ||وحـين نبكي من طبعها الخشن
سعــادة ٌيـرقــص الفــؤاد بهـــا || أو غُــربَــةٌ بين الـهَـمِّ والوَهَن
وهــــذه سُــــنَّـةٌ نُـعــايِـــشُــهــا || ولم تكن رهْــنَ الـسِّرِّ والعَلـن
ولكـنِ انْظــرْ مـا أنت تشرح لي|| وهل جـديدٌ ما جـئتَ تُسْمِعُني؟
أم ذاك مـنذ الـقـديــم شَـنْـشَــنَـةٌ || أصداؤهـا في قـلبي وفي أذُني
كم وصَفوا الدهرَ بالخَئونِ وكم || شَكَـوْا وكم أظهروا من الشّجَن
وكم سمـعـنا شـيخـاً يذوب أسىً|| وكم شكا وهْــناً دبَّ في الـبَـدن
وكم مُقــيـمٍ لم يُـرْضِــهِ وطــنٌ || وكــمْ سواه هـــفــا إلى الوطـن
وكـــم بكــى فــاقــِدٌ أحِــــبّــَتَـه || كأنّــه بــاقٍ غـــيـرُ مُــرْتَــهَــن
وأنت تشكــو كمـا شـكَــوْا أبداً || تصـرُخُ: إنّ الــرَّدى سـيأخُـذني
في قَـلَــقٍ تحـيا أنت مضْطرِباً || ورأيُــك الـيــومَ غـــيـرُ مُــتَّـزِنِ
فكـم مَشـتْ فـوق أرضِـنا قـدَمٌ || ثـم اسـتـقــرَّتْ فـي آبِــدِ السَّكَــن
حـــلاوةُ العُــمْــــرِ أنـَّـه أجَــلٌ || إذا انـتهــى لـم يَعُـــدْ ولــم يَـبـِنِ
فَــعِـشْ بتلــك الأيامِ في دَعَــةٍ || فـلسْـتَ في هُـــدْنةٍ عـلى دَخَـــن
ومَــنْ يـدَعْ أمْــرَهُ لـِخــالِـقِــــه || فـهـو بغـيـرِ الصّـوابِ لـم يَـدِنِ
حـياتنـا في العــطـاءِ مُـحْــسِنةٌ || لَـهـــا أيـــادٍ كـــثـيـرةُ الـمِــنَــن
ومــنْــبـعٌ للـجَــمــالِ ذو ألَـــقٍ || يـــدومُ رُغْـــمَ البَــلاءِ والـفِـتَـن
فَـجــودُهــا أغْــنـانا وأسْــعَـدَنا || وحُـسْـنُهــا يمحـو عالِـقَ الدَّرَن
فهـل تَرى وجْـهَهـا القـبيحَ ولا || ترنو إلى سحْرِ وجْهِها الحَسَن؟!
*******************************
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة الحادية عشرة، ديوان: (أواخر الصيف) ط1ـ دار أمواج 2014م ص98 ]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق