بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 28 أكتوبر 2016

جزء منى / بقلم الكاتبة / نادية صبح

جزء منى .............بقلم نادية صبح 

قضى عمراً طويلا فى البحث والدراسة ليعود استاذاً  ذو  مكانة علمية مرموقة ، ولقد جند نفسه لأبحاثه وعلمه ولم يلتفت يوماً لحاجته لتأسيس اسرة بقدر إهتمامه بتاسيس قسم جديد بالكلية لذلك التخصص الذى برع فيه وكان حريصاً على إستقطاب افضل العناصر من الطلبة لتاهيل اكفأهم للعمل كمعيدين بالقسم الجديد ....
وقد وجد ضالته فيهما ......
الزميلان اللدودان ....طالب وطالبة من ابرع واذكى واروع تلاميذه .....
كان يتعامل معهما بابوية وخصوصية شديدة لما لمسه فيهما من إستعداد طيب وروح تنافسية عالية ....
كانا مثالا ً صارخاً وصاخباً للغيرة والمنافسة ومحاولة كل منهما التفوق على الآخر ليس دراسياً فقط ولكن حتى على مستوى الأنشطة والهوايات والمواهب داخل الحرم الجامعى ....،
يشعر الرائى لهما انه يشاهد مباراة حماسية بين لاعبين ماهرين لا يكفان عن محاولة كل منهما التغلب على الآخر حتى عندما كانا يشاركان بعمل فنى على مسرح الجامعة !!!!!
ما اجملهما ....وما اجمل مكابرة كل منهما ومشاكساتهما معاً كانهما توامان دأبا على التسابق وكل منهما يسعى لإثبات تميزه على الآخر ......
وأختتما الدراسة بالكلية بالتفوق المعهود منهما ليثبتا ان ثقة استاذهما فى محلها .....
وتبدأ رحلتهما فى الحياة العملية كمعيدين بالكلية ليظهر مجال جديد للمنافسة وهو قلوب الطلبة والطالبات ، حتى اصبحا نموذج لأحلام تلامذتهما .......
تمر الأيام والسنوات ويستمرا  من نجاح إلى نجاح ، وعيون استاذهما ترقبهما حتى جاء اليوم الذى إنفرد بتلميذه واثيره قائلا له : إن ما يظهر للجميع هو المنافسة بينكما ولكن مالا تراه العيون هو حبك لها وإفتتانك بها هذا ما اشعر به ، الست مصيباً فى شعورى هذا ؟ 
أجابه تلميذه قائلاً  : الهذا الحد فضحتنى عيونى يا استاذى ؟؟؟؟
واستطرد قائلاً لم احب فى حياتى غيرها ولا ترى عيونى إلا طيفها ، ولا اتخيل نفسى مع سواها .....
لكنها كما ترى كما لو كانت فى ماراثون لا ينتهى ، واخشى ما اخشاه ان اصارحها فافقدها إذا لم يكن شعورها تجاهى كما اتمنى ، برغم أننى احسست فى اوقات عديدة اننا ننتمى لبعضنا البعض بشكل ما  ، وأن مايربطها بى شيء اكبر من مجرد الزمالة ....
فيجيبه استاذه قائلاً : كيف لم يصلك حبها لك ، انت لم تراها عندما سافرت انت لشهرين ممثلاً للجامعة فى التبادل الطلابى الثقافى لأوروبا ، لقد كانت كطفلة تاهت عن ذويها ، كنبتة إقتلعت من ارضها   حتى عدت فعادت لها الحياة ، انا رعيتكما كتلميذين بارعين ولكنكما حبيبين عنيدين ، كل منكما يهيم بالآخر لكنه لا يُظهر له إلا الجمود والتحفظ ، لكن إلى متى تنتظر ؟ 
استنتظر حتى تيأس منك وترتبط بآخر لتندما طوال حياتكما ؟؟؟؟؟
الا تعلم أن هناك كثيرون حاولوا التقرب لها ، ومنهم من عرض عليها الزواج وهى دائمة الرفض......
إنصرف عازماً على ضرورة مصارحتها فى الغد بحبه وجنونه بها وليكن ما يكون  .......
لكن هذا الغد لم يات كما توقعه ، فقد ٱضطره ألم شديد إنتابه ليلاً إلى المبيت فى المشفى ليعلم انه مريض فشل كلوى كامل وانه سيخضع لغسيل كلوى حتى يوفق إلى متبرع له بكُلية !! نزل هذا الخبر عليها كالصاعقة التى زلزلت كيانها وهدت بنيانها لتخرج عن صمتها وتحفظها وخجلها لأول مرة فى حياتها ، فهرولت إلى المشفى مسرعة كام تغيث وليدها .....
دخلت حجرته ولم تلمح عيونها المحيطين به ، فهذه العيون الباكية الجوادة بنهر دموع ،لم ترى إلا هذا المُسجى فى فراشه ، هذا الجسد الذى لطالما اعلن عن فتوة ورجولة وشباب تملأ ماحوله حياة  ، يرقد الآن صريع المرض والضعف ...
ولم تدر بنفسها ٱلا وهى تدفن وجهها فى فراشه لينقطع صوتها فى نشيج كاد يشق صدرها ، وكانت دهشته لا تقل عن دهشة زواره واسرته التى إنسحب افرادها من الغرفة لهذه الزائرة التى بلا شك وراءها أمر يستحق ألا يشاركوهما إياه......
وبرغم المه وحزنه مما. اصابه إلا انه ايقن ان للمِحَن وجه آخر !!!!!!
لقد اطلقت هذه المِحنة مشاعرها من عُقالها وأطلقت لسانها باروع كلمات كم تمنى ان يسمعها منها .......
حاول تهدئتها بمرحه المعتاد ومزحاته التى كانت تعشقها ، لترفع وجهها الباكى الذى جمع مابين الدموع والإبتسام فى آن واحد ، ليراها كما لم يراها من قبل ......
هذا وجه عاشقة ....هذه عيون محبة .....هذا قلب يتهدج بحب كبير ....هذه هى الحبيبة التى حلمت طويلاً ان اراها .....
لكن .........الآن ......الآن ياحبيبة عمرى تطلقين مشاعرك التى طالما كانت حبيسة قلبك لسنوات ؟؟؟؟
اكان لا بد ان تشعرى بقرب فراقى حتى تجودى علىّ من فيض حبك ؟؟؟؟
تكلم الصمت طويلاً ،حتى نطقت قائلة : أجننت لتفزعنى عليك هكذا ، لقد كاد قلبى ان يتوقف لولا أنه ينبض بحبك .....
قالتها ....قالتها اخيراً ......ضحك طويلاً ورفع صوته قائلا :اهلا بالفشل الكلوى الذى انطقكِ ..... ضحكت وبكت ، وبكت وضحكت وكان مشهد يشبه الجنون ، ما اروعه جنون .......
استطردت قائلة بعد ان استردت وعيها ، الم تشعر أننى اسيرتك وشطرك الآخر منذ ان ٱلتقينا لأول مرة ؟؟؟
لقد كانت المنافسة معك سبيلى للتواجد بقربك حتى ازرع نفسى بحياتك فلقد ملكتنى قلباً وعقلاً منذ ان عرفتك فى اولى سنوات دراستنا بالجامعة ، ولقد تاكد إحساسى بحبك يوماً بيوم ،حتى ايقنت أن مصيرنا واحد بشكل او بآخر ، وكم ٱنتظرت ان تصارحنى بحبك اولاً ولكن طال إنتظارى ، لقد طبعت صورتك بقلبى كبطاقة تعريف بالحب ، انت كنت الحب ، ملامحك هى ملامح حبيبى وطباعك هى طباع حبيبى حتى عنادك وقسوتك احيانا هى بقية مواصفات حبيبى ، انت التجسيد الحى لحبيبى ، لم ولن احب غيرك سواء احببتنى ام لا .....
نظر إليها طويلا ولشفتيها وهى ترتجف بالكلمات لتمتلئ عيناه بالدموع ، قائلا ً غبى انا !!!!!
كيف ضيعت بخوفى من فقدك اجمل ايام عمرنا التى قضيناها فى المناطحة والمنافسة ، فى حين كان بالإمكان ان نحيا الجنة على الأرض ....
سامحينى ياحبيبتى على ما ضيعت وسامحينى أننا صارحنا بعضنا فى الوقت بدل الضائع !!!!!!
وضعت يدها على شفتيه حتى لا يكرر كلمات تعلن عن ياسه وإستعداده للرحيل .......
إنصرفت قائلة شئت ام ابيت ساكون معك دائماً......
بدا النقاش يحتدم بينها وبين ابويها عندما اعلنت لهما انها ستمنحه كليتها خاصة وان كل التحاليل والفحوص اثبتت صلاحية أنسجتها مع انسجته وبذلك تكون متبرعة مثالية له ......
صُعِق الأبوان من انها مشت خطوات جادة فى هذا الأمر وانها لا تبالى براى اى احد يعارضها ، فهى كما اكدت لهما لا تستطيع العيش فى دنيا لا يتنفس فيها ولا ينبض قلبه فيها ،وانه لو مات لن يموت وحده !!!!!!!!
هنا اسقط فى يد الوالدين امام إصرارها الجنونى ، وتاكد لهما أن عزمها فى هذا الأمر لن يلين مهما كان إعتراضهما وخوفهما عليها  ...
 وعندما علم الحبيب بعزمها هاج ورفض رفضاً كاد ان يؤدى به لإغماء شديد من شدة إنفعاله ، ٱلا انها دخلت عليه بإبتسامة ازالت عنه اوجاعه واحزانه قائلة:
 لمَِ ترفض جزء من جسدى وانا وهبتك حياتى كلها ، الا تعلم أنه لا حياة لى بدونك ؟؟؟؟
وكيف احيا وصوتك لا يتردد حولى ، كيف احيا دون ان تشرق شمسك على يومى ، كيف احيا دون ان اشم عطرك ، كيف احيا وانا لا أذود عنك كل من تسول لها نفسها الإقتراب منك ، كيف احيا دون مشاكساتك لى ، إن رؤيتك يومياً لم تكن عادة بقدر ماهى هدفى فى الحياة ........
صدقاً اقول أننى لو كنت استطيع العيش بدونك ما اقدمت على هذا الأمر ، ولكن ما حيلتى وانت لى الحياة ذاتها ، فلا تحرمنى الحفاظ على حياتى ياحياتى  ........
لو قيلت له كلمات الدنيا كلها لما وافق على ما اعتزمته  ، ولكن ان تربط هى بين نجاته وحياتها فهذا ما لا يمكنه تجاوزه ......
وكان لها ما ارادت واصرت عليه ، خاصة عندما تدخل استاذهما بتيسير إجراء الجراحة فى افضل المراكز الطبية  ليستفيق كلاهما واول مايعنى كل منهما هو الإطمئنان على الآخر .....
وتبدأ منافسة من نوع آخر فى الحب والإيثار ، وحياة جديدة يحيا فيها جزء من جسدها بداخله ليرسخ حب كبير جمع بينهما ماتبقى من عمرهما ..........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق