بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 10 أغسطس 2017

الإنْســــان /بقلم الشاعر/ حسن منصور

الإنْســــان

الشاعر حسن منصور
*****
رجَعْـتُ إلى نَفْسي بنَظْـرَةِ حــاذِقِ
وما غابَ عن عيْنِي شُهودُ حَقائِقي

وَعُدْتُ إلى الماضي أُقَلِّبُ ما جَرى
أُراجِــعُ سـاعــاتي بــه وَدَقــائِـقي

تَـمُـــرُّ بِيَ الأيّـامُ عَـجْــلَى بَعــيدةً 
مُــرورَ سحـابٍ أو سَـرابٍ مُفـارِقِ

فَـرُبَّ بُروقٍ خُــلَّـبٍ في سَـمـائِهـا 
ورُبّ غُـيوثٍ قد هَـمَتْ دونَ بارِق

وكمْ مِنْ سَرابٍ كانَ وَهْـماً مِياهُـهُ 
وكَـمْ مــنْ مِــياهٍ دونَ آلٍ مُــرافِــق

كــذا فَحَــياةُ المَــرْءِ تَفْـجَـأُ رَبَّـهــا 
وَتَجْـعَــلُـهُ مِنْ عـقْـلِـهِ غــيْرَ واثِـق

فــيَوْماً بِهـا صــابٌ كَــريهٌ مَـذاقُـهُ 
ويَـوْمـاً بِشَـهْـدٍ سائِغِ الطَّعْــمِ رائِق

يُعـالِجُــهـا يَوْماً بِحِـكْـمَــةِ عــاقِــلٍ 
وَيُـفْـسِدُهـا يَـوْمـاً بِـلــَوْثَـةِ مــائِــق

وَيَوْمـاً يكونُ السَّـيْرُ سَهْـلاً مُـواتِياً
ويَوْمـاً تُعـيقُ السَّـيْـرَ كلُّ العَــوائِـق

ويَـوْمــاً يَضيعُ الكَـدُّ دونَ نَتـيجَــةٍ 
ويَوْمـاً يكـونُ الحَــظُّ أوَّلَ طـــارِق

ويوْمـاً يَرى خَــيْرَ الرِّفـاقِ مُعادِياً 
ويوْماً يكونُ الخَصْمُ أصْدَقَ صادِق
********
أعـــودُ إلى نفْـسي لِأَفْـهَـمَ مـا أنا 
مَـلاكٌ أنـا أمْ إنَّـني طَـيْــفُ مـــارِق

يَشـِفُّ ويَعْـلـو في السّماءِ تَسامِـياً 
وَيَلْـبَـسُ أحْــياناً ثِـيـابَ مُــنـافِـــــق

وَيَـبْـطِـشُ جَــبّاراً بـدونِ تَعَــقُّــلٍ 
ويُبــْدي حَـنانـاً في دُمــوعٍ دَوافِــق

عَنيفٌ كوَحْشٍ فاقِدِ الحِسِّ هاجِماً 
لطـيـفٌ كأنْـسامِ الصّـباحِ المُـعــانِق

بِداخِــلِهِ النّـيـرانُ يَغْـــلي أُوارُهـا
كَـبُرْكـانِ نارٍ زافِــرِ الـنّارِ شـاهِــق

بِداخِــلِـهِ تَجْــري جَـــداوِلُ رِقَّــةٍ 
وبَــرْدٍ وأمْــنٍ فـي رُبىً وحَــدائِــق

عَجـبْتُ لنَفْسي إذْ يُنازِعُها الهَوى
وتـخْــضعُ قَـسْراً عـــنـدَ أوّلِ بــارِق

عَجِبْتُ لعَـقْلي كيفَ يَنْهَضُ ثائِراً 
وصَحْـوِ ضَميري وَانْتِصارِ خَلائِقي

فـتأخُــذُني في عُـنْفُــوانٍ وعِــزَّةٍ 
وتَـرْفَــعُــني عــنْ كُلِّ شَـرٍّ وَبـائِـق

كــذا، فَــأنا الإنسانُ أكبَرُ مِحْـنَتي 
تَقـاطُـعُ نيـرانٍ وَثَــلْـجٍ بِخـافـــِقــي

أُحِــسُّ بِـأَنّي عـالَــمٌ صاخِــبٌ أنا 
وَفـيهِ ضَـياعي بينَ مـاضٍ ولاحِـق 

وبَيْنَ يَمينٍ أقْــدَمَـتْ في شَجـاعَـةٍ 
وبينَ شِمـالٍ أحْجَـمَـتْ دونَ عـائِـق

أُخاطِبُ نفسي ساخِراً مِنْ جُنونِها 
إِلامَ عـلى هـذا الطَّــريقِ المُساوِق؟ 

إليَّ فَــثـوبي لا تَـكــوني عَـنـيـدَةً 
وَلا تهْـجُري يَوْمـاً ظِلالَ سُـرادِقي

شَكَمْـتُـكِ دَوْماً بالحِجى دونَ غيْرِه
وبالحَـقِّ والإيمانِ، والحَزْمُ سائِقي
********
أَعــودُ إلى الإنسانِ داخلَ مُهْـجَتي 
وأحْتارُ فــيه كيفَ عاشَ مُرافِـقي

وكيفَ اسْـتَقـرَّتْ واسْتمَرَّتْ حَياتُهُ 
وكيْفَ نَجا بينَ الحَيا والصَّواعِــق

وأضْـحَــكُ مسْــروراً بـذلــكَ كـلِّهِ
وإنْ كانتِ الـدُّنْيا تَـسُدُّ طَـــرائِــقي

وإنْ كنْتُ أَشْكو مِنْ سَفاهَةِ أهْلِهــا 
وإنْ كنتُ أَحْيا في ضِرامِ الحَرائِق

ولكِنَّــني أَسْعى لِصَــوْنِ كَرامَــتي 
بِعَـيْشٍ كريمٍ وافِـــرِ الـــوُدِّ لائــِق

أُخاطِبُ إِنْساني الذي عاشَ داخِلي:
أراكَ بِعَـــزْمٍ مُـسْـتَجِــدٍّ وَدافِـــــق

فَــيا لـكَ مَـخْــلـوقـاً يُكابِـدُ صـابِراً 
وَيــوقِــــنُ أنَّ الـلّـهَ أكْـــرَمُ رازِق.

أُحـاوِلُ فَهْـماً للَّـذي في سَريــرَتي 
وَما كانَ حَـوْلي مِنْ أُمـورٍ خَـوارِق

كلا العالَمَيْنِ اسْتَعْصَما في وُجوهِنا
فَما حيلَةُ العَـقْلِ الضّعـيفِ المُراهِق

أنا في حِمى رَبّي سَأمْضي مُسافِراً
بِعَقلٍ وقَلبٍ في حِمى الوَجْدِ غارِق

رَضيـتُ بِهِ رَبّـاً رَضيتُ بِحُـكْـمِـهِ 
فَـفي يَدِهِ عُـمْـري وَعَـقلي وَخافِـقي

وإنّـي لـهُ عَـــبْــدٌ ذلــيـلٌ وَطَـــيِّـعٌ 
أُسَـلِّمُ أمْــري راضِياً غــيرَ حــانِـق

وما كـنتُ أرْضَى أنْ أَكونَ مُعَـبَّداً 
ولكنَّ عِـزّي في الخُـضوعِ لِخالِـقي

أنـا في حِـمـاهُ أيْـنَـما كـنـتُ آبِـقـــاً 
وَهَلْ كانَ يُـنْجـيـني تَمَـــرُّدُ آبِــق؟! 
***************************************************
الشاعر حسن منصور [من المجموعة الثانية عشرة، ديوان (عندما تنكسر الدائرة) ]

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق