بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 15 أغسطس 2016

جميلتان و لكن / بقلم الكاتبة / نادية صبح

جميلتان ......ولكن ........               

بقلم......نادية صبح

بعد إنتهاء دوام العمل فى الشركةالتى يطل مبناهاعلى البحر ،قررتا الجلوس لبعض الوقت على أحد الأرائك المواجهة للشاطئ قبل العودة إلى بيوتهما....
لم تكن زمالة العمل هى الشيء الوحيدالمشترك بينهما،ولكن يجمع بينهما ذلك الجمال الأخاذ وأيضا العنوسة المُتعمَّدة من كل منهما برغم محاولات الكثيرين التقرب إليهما إلا أنها جميعاً محاولات باءت بالفشل والرفض المثير للدهشة والتساؤلات!!!!!!
وكعادتهما جلستا للثرثرة فى كل شيء وأى شيء إلى أن قطع حديثهما ضوضاء موكب يزف عروسين ،وبدت العروس فى أوج جمالهاوسعادتها فاليوم تتوج ملكة على قلب زوجها الذى كان لا يقل سعادة عنها ........
عندها صدرت عن كل من الجميلتين زفرة أسى ولاحت سحب من الذكريات المؤلمة على محياهما ،وكأن هذا المشهد قد إستنطق كل منهما بما أخفته حتى عن نفسها ،فإلتفتت إحداهما لصديقتها قائلة :
هل تعلمين السبب الحقيقى لرفضى الزواج او حتى مجرد الحب ؟
إنه ليس الحجج والمبررات الواهية التى أسوقها للتهرب من اى إرتباط ، ولكن السبب الحقيقى هو أبى سامحه الله.......
إنه قد أورثنى أنا وأخوتى ثراء وجمالاً فى الملامح ولكنه أورثنا أيضاً قلوب محطمة ونفوس خربة ، كان مغرماً بالقسوة وجمود المشاعر ،كان يعامل أمى وكأنها سبية او أسيرة حرب كل مهمتها إرضائه بكل السبل حتى لو تطلب الأمر هلاكها وقد كان ....عندما ألزمها بإنجاب قبيلة من الأبناء بما يفوق طاقتها ليس حباً لها أو لنا ولكن ليكاثر بهم عائلته الثرية حتى لو أفنى تلك المسكينة التى لم يكلف نفسه يوماً إعانتها فى رعايتنا أو الحنو عليها أو على أحد منا لأننا لم نكن بالنسبة له إلاعبيد فى مملكة رغباته وتسلطه وقسوته ، لا أذكر يوماً أنه ربَّتَ أو قَبَّلَ أحد منا أو إستمع لشكوى أو حديث،  علاقته الوحيدة بنا تقتصر على الأمر والنهى دون مراعاة لأى شيء سوى ما يراه وما يرغبه ولو كُسِرت قلوبنا جميعاً........
 كان جواداً كريماً فى العقاب والأذى بكل أشكاله ليصبح حظنا منه فقط التجهم والغلظة ،لقد جعل قصرنا الفاخر معتقل للكبت والأحزان خاصة عندما رحلت أمى وهى فى ريعان شبابها لتتركنا نهباً لقسوته وساديته.....
لقد كرهت فيه كل الرجال...وقد أصبحت فكرة الزواج تزلزل كيانى.........
لا أستطيع أن أعيش مأساة أمى التى قتلتها قسوة أبى وسرقت منها شبابها وكرامتها.........لا أستطيع ............لا أستطيع......
عندئذٍ إنحدرت الدموع من عين صديقتها التى بادرتها قائلة الكره يُشقى والحب أيضاً قد يُشقى.......
أما أنا فمشكلتى أيضاً هى أبى رحمه الله، فقد كان مثالاً للكمال البشرى يمشى على قدمين ،كان كياناً من البهجة التى تحل أينما حل.......
كان نموذج فريد من العطاء والإيثار والوعى والقدرة على إستيعاب الآخر وإلتماس العذر له ،يستطيع بسعة قلبه أن يُشعر أى إنسان يتعامل معه بالأهمية والقيمة ولو كان طفلاً صغيراً أو إنساناً بسيطاً......
عاشت معه أمى عمراً من السعادة والإكتفاء ،بإحساس الفتاة الصغيرة التى لا تهرم أبداً وكيف تهرم وهو لا ينظر لها إلا نظرة العاشق الولِه مهما مرت السنوات وخطت خطوطها على وجهها، لم يملها او يهملها يوماً ليجعل كل شمس تشرق تحمل لها حباً متجدداً وسعادة لا تنقضى...
شهدت حوائط دارنا البسيطة أُنساً به وضحكات لا تنقطع بوجوده بيننا ، ملأ حياتنا دفئاً تحول إلى صقيع جمد قلوبنا برحيله....
يوم أن مات شيعته عيون باكية لا يحصى عددها إلا الله ،ولكن عينى مازالت باكية وقلبى فتته الحزن والفقد برغم مرور أعوام عديدة على رحيله......
هذا هو النموذج الذى عرفته من الرجال....وأين منى مثله.........
وإنخرطت كل منهما فى بكاء يخلع القلوب......
عندئذٍ إلتفتت لهما عجوز كانت تجلس على الأريكة المقابلة لهماقائلة:
أرجو المعذرة يابناتى لقد إستمعت لحديثكما معاً دون قصد منى وقد أيقنت أن كلاً منكماكانت ومازالت أسيرة لتجربة بُنوَّتِها لأبيها....
فالأولى عاشت أسيرة كرهها لطبيعة أبيها العنيفة القاسية وظنت أن جميع الرجال حتماً ولابد أن يكونوا على شاكلته ولو كان ظنها صحيح لما عاشت صديقتك تبكى أباها وتفتقده برغم مرور أعوام عديدة على رحيله......
يابناتى ..لكل منا حياته وقَدَرَهُ ولا يمكن أن نستنسخ بالضرورة حياة أمهاتنا فى الزواج والحب فكل منهما عاشت حياتها بحلوها ومُرها.......
وأما عن آباءكما فهما بشر لهما وعليهما وهما بين يدى الله يتولى امرهما الآن......
ولكنكما لابد أن تعيشا تجربتكما الخاصة بمعطياتها بزمانها بشخوصها....
يا بنيتى..إن البشر كالحجر منه الحصى الذى يداس بالأقدام ومنه أحجار الماس التى تزين التيجان......
فلتبحث كل منكما عن شريك يملأ حياتها دفئاً ومودة وأُنساً وليزين حياتها ببريق الحب وروعته ،هناك ولا شك لكل منكما جوهرة بشرية تنتظر أن تفتحا قلوبكما لتستقر فيها ،فلتبذلا حسن الظن والأمل فى غدٍ أجمل......
وإنصرفت العجوز تاركة الجميلتين غارقتين فى أفكارهما.......
وتجلس العجوز ذات يوم على أريكتها التى إعتادت الجلوس عليها كلما ارادت الإستمتاع بنسيم البحر ليلفت إنتباهها مرور موكب زفاف لتطل العروس من نافذة السيارة وتلوح للعجوز بيدها والسعادة تغمرها .....
كانت العروس أحد الجميلتين.........

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق