بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 28 أبريل 2017

رحلة المجهول / بقلم الشاعر/ حسن منصور

رحلة المجهول
 الشاعر حسن منصور
**
تَمضي الْحَياةُ وقد مَضى عنّي غَدُ || مِن بعــدِ أنْ أبْطا عـليَّ الْمَـوْعـدُ
وبقــيتُ مُنـتَظِــراً غــداً مُتَجــــدّداً || والعـمْـــرُ ليسَ يَزيدُ أو يتَـجَـــدَّد
ما الأمسُ إلاّ مُنْـيَـتي وغَـدي الّذي || كان اشْــتِـياقي قـبْـلَــه يتــَوَقَّـــــد
يا هـــذهِ الأيّامُ ترْقُــصُ حـــوْلــــَنا || وتَغــيـبُ كالـظّـلِّ الــذي يـتَـبــدَّد
وتظــلُّ أطْــيافٌ لهــا في خاطِـري || يَشْقى الفـؤادُ بظـلِّـها أوْ يَسْعَـــــد
في كلِّ يـــومٍ أبْـتَـــني لِي قــلْــعَــــةً|| بِحجــارةِ الأمـلِ الذي لا يَـنْـفـــَدُ
مُـتحَــصِّنٌ مــنْ كلِّ غــائِـلَـــةٍ بِهــا || إنْ جـاءَ لـيـلٌ أوْ ضَـبابٌ أســوَدُ
فـــكأنَّـني لُــبَـــدٌ جَــــديدٌ خـــالِـــــدٌ || منْ بعــدِ أنْ أخْــنَتْ عـلى لُبَدٍ يَدُ
مِـن حـــوْلِيَ البـيْـداءُ بيـنَ رمـالِــها || لُجَــجٌ بِـها الْمَــوتُ الزُّؤامُ مُؤَكَّـد
لا يُهــتَـدى فـيهــا لِــرَسْــمٍ أو تُـرى || أبْعـادُها، والصَّمـتُ فـيها سَرمَـد
قد أعْــمَـلـتْ فـيهـا الرّياحُ سَـوافِــيـاً || بِعــزيِمــةٍ تَمــضي ولا تـتَــردَّ د
حتّى الْخَــنافِـسُ والْجَــنادِبُ لم تكـنْ || تـنْجـــو إذا مـا ثـارَ نقْـــعٌ أرْبَــد
***********
وتَلــوحُ للـعَــيـنِ الــرّوابِي غَــضّــةً || فتقولُ لي نفسي: هُـناك الْمَقْـصِد
فـلْـتـتَّخِذْ مـتْنَ العــواصـفِ مَــرْكــباً || يُـدنيــكَ مــنْ تلـك الـرُّبَى ويُسَدِّد
ومَشـيْـتُ في درْبِي بغــيـرِ تَـمَـهُّـــلٍ || مُتَـخــاذِلاً طوْراً وطـوراً أصْمُـد
يَتجــاذَبُ النّفسَ الشَّحــيحَــةَ هـاجِسٌ || يَهْــوي بِهــا، وعَـزيِمــةٌ تتَـمـرَّد
خَــوفٌ من الْمَجـهــولِ معْ أمَــلٍ بـهِ || والْخَــوْفُ يُفْــني والرَّجاءُ يُجَـدِّد
مُـــتـرَدّدٌ مُــتـقَــلّــبٌ فـي حـــالَــتَيْ: || فــرَحٍ يُـغــنّي أو هُــمـومٍ تُرْعِــد
وأنـا يُـمــــزِّقُــــني صِـــراعٌ دائــــمٌ || وغُــبارُه يُخْـفي الطّريقَ ويوصِدُ
فـأكــونُ كالأَعْـشى يســيرُ ولا يَرى || أمُــغَـــوِّرٌ فـي درْبِـه أم مُــنْـجِــد
************
وإذا انْجَلى ذاك الغُبارُ على الْمَدى || بزغَتْ شُموسٌ وانْجَلى لِي الْمَشهَـد
فأرى الــرُّبَى تبَـــدو أمــامي ثانــيـاً || طابَ الْمُــنى فـيها وطابَ الْمَوْرِد
وأرى الفــؤادَ تَهــزُّنِي خــفَـــقــاتُــهُ || وطـــيـورُه تـشْدو الْهَـــنا وتُغــرِّد
وأرى الْهَـــجــيرَ كَــواحَـــةٍ فـيْـنانَـةٍ || وظــلالُـهــا وغُــصونُهـا تَـتـــأوَّد
وأرى السّـرابَ إذا بــدا لِي كــوْثـراً || أرْتـــــادُه وبِـمــــائِـــهِ أتَــبَــــــرَّد
وقـــوافِــلُ الأيّــامِ أحْـــدوهــــا لـــه || وأُريــدُهــــا مــن مـــائِه تـتَـــزوَّد
وأنـا أســيـرُ كـأنَّـنــي مــــاضٍ إلَـى || مُـلْـــكٍ مُـقــيــمٍ مــا أقــامَ الفَـرْقَــد
أنسى شَقائي في الطّريقِ إلى الْمُنى || وأقــولُ ثَـمَّ سيَسْتَريحُ الْـمُـجْــهَـد
************
تلــك الْحَـــياةُ ومــا بِهــا من زيـنــةٍ || ألْــوانُهـــا بنُـفـــوسِــنا تـتَــولَّـــــــد
بَحـــرٌ من الأوْهـــامِ يـأْسِـرُ حـسْنُـه || وعـــلى شـواطِــئِه عــيونٌ تـرْصُد
تـتَــرقَّـــبُ الْحَـــظَّ السّـعــيدَ لعـلَّهــا || من لُــؤْلــؤِ الأوْهـــامِ قـد تتَــصَيَّــد
ويَضـيعُ عــمْري في الطّــريقِ كأنَّه || حـــبّاتُ عِـــقـدٍ إثْـرَ بـعْــضٍ تُفْـقَـد
فكأنَّ عــمـري والطــريقَ تَـرافَـــقـا || فـإذا انْـتَـهى هــذا فــذاكَ سَـيَـنْــفــد
--------------------------------------------------------------
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة الرابعة، ديوان (شواطئ السراب) ـ ص 82 ـ دار أمواج ـ ط1 ـ 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق