بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 4 نوفمبر 2017

رحيل مفاجئ /بقلم الشاعر/ خالد خداد

رحيل مفاجئ (خاطرة) 
******
وُلدنا بين الرُّبى .. جنة هي أرضنا .. ألفتِ الأشجار ضحكاتنا .. ونحن ننعم بظلالها الوارفة .. والسّواقي تزغرد معلنة قرب مولود زوج حب جديد ..  وتستدعينا لأخذ حمام بارد .. والفراشات تداعبنا .. أما الطيور تقدسنا برفرفتها .. والقطيع يكون سعيدا لما نرافقه.. حين يبتسم الهواء يلفها شعرها بالأسود .. ولا يبقى من جسدها إلا ثلثه .. تعاقدنا على الوفاء .. وكتب عهدنا في السماء تحت وصاية رعاتنا .. كنا دائما ملتصقيْن .. لا يفرقنا إلا النوم .. نرزق من قدر واحد .. وتسقى بما أسقى .. وتُسمَّد بما يصلح لها كأنثى... 
استوطن صقر من الهواجر الهضبة المقابلة لعشنا .. ينقش ريشه .. ويبين ألوانه .. ويصقل أظافره .. وينفض أجنحته ويراقب .. حتى انتهز الفرصة .. وأمالَها بفردوسه المنشود ..... 
وبعد مدة قصيرة .. ضرب إعصار بسيله الجارف 
 حلَّق بحمامتي إلى ما وراء البحار.....
 لا يسعني إلا بكاء أطلال..أستشف ما تبقى من أريجها الميت .. وجمع ما نسجته مؤخرة الرياح من أقاويل .. وتركيب القن لفتح شفرة الرحيل ...
 حملني يخت الهوس إلى تخيلات  وهواجس.. وكوابيس ليلية.. أرى الخنازير تستنشق عبقها .. بعدما قدمها البوم بقناع صقر.. كقربان لأسياده لتحيي ليلها .. وحتى الخفافيش تنتظر دورها، لما ترخص زهرتي...
 لم أعد قادرا على فراقها .. فاستنجدت بالبحر لأشكوه همومي .. وأقتسم معه حزني .. فجلست في المكان المعهود بنا .. 
وغسقت عيناي بالدموع .. وبرمادي أخطّ لوحة الكمد ..
نظرت إلى الأفق البعيد .. ولم أشعر بأنياب الصخر.. تغرز في جنبَيَّ .. إلا بعد ما اشتدَّ الألم... 
ورسمت طريق عشقي .. على سفينة عمياء .. رحلَتْ إلى موطن الضباب .. وهي لا تعرف وجهتها .. وبدون بوصلة .. لا كوابح ولا اسم .. ولا مراسي لها .. لا تدري متى تصطدم ... لا زاد ولا هواء .. تتبع الأحلام إلى عالم مجهول .. تتوهم المسار على درب السراب .. بين رياش وأشواك .. وبين رغد وفتات ......
 وأنا أعصر ما تبقى من أطلال .. وما في تجاويف هامتي من آلام .. لا أعرف متى ترسو سفينتها .. ولا متى تغني وترقص .. ولا متى يبزغ الفجر .. بعد ما أعياني دهس الليل ... ودلف الموج .. وتبنّي الأفكار.. وصوت المصفحات .. وزمجرة الدبابات وغبارها ..وقصفنا أحيانا للترهيب والترويع ...    
 ينظر إليّ البحر بعيون ذابلة واستهزاء .. يرسم شفاه بيضاء على الشط يعلن موت تدفقها .. ونعاق الغربان يخلق في وسطي صدًى .. وقبالتي أرى مركبا مدفونا نصفه في الرمل .. كما فؤادي...       وبالأثير تلسعني روائح مختلفة .. وهل لي أميز عبير عشقي؟...
لا زالت صورتها معلقة بخيالي..وأنا أعد الطيور المهاجرة .. والنقط البيضاء لعلها مراكب باقات أزهار شاردة .. وسطها زهرتي .. وهل تتطهر أرضي وتتوضأ من ضوضائهم ودنسهم ؟؟.. وهل تعود الفراشة إلى يرقتها بعد الرحيل .. وتخمد صبوتي ؟؟...
**********
محمد خالد  الأمين / المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق