بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 22 نوفمبر 2018

وللأسطورة وجه آخر /بقلم القاص / سليم عوض عيشان

" وللأسطورة وجه آخر " ؟؟!!
( الرجل الأسطورة )
قصة قصيرة 
بقلم سليم عوض عيشان ( علاونة )
====================
( أخر ما جادت به قريحة الكاتب ؛ ولم يسبق نشر النص من قبل ) 
" أحداث وشخوص النص حقيقية وقد حدثت على أرض الواقع ".
 ( النص جزء من السيرة الذاتية للكاتب ) .. من ذكريات " الزمن الجميل " .

إهداء خاص :
 .. هي كلمة وفاء متواضعة مني إلى روح بطل النص الحقيقي  أستاذي  ومعلمي ومؤدبي .. الأستاذ عبد اللطيف عبيد " أبو سهيل " رحمه الله .

 تنويه : 
 عندما نفقد رجلاً فاضلًا عزيزًا .. وأستاذًا قديرًا ملهمًا .. ومناضلًا كبيرًا فإننا لا نفتقد تلك الذكريات الجميلة التي حدثت  .. والذي كان هو البطل لإحداها .

 تقديم :
 في هذا الزمن الذي يطلقون عليه  " زمن العولمة " .. و " زمن الحضارة والرقيّ " المفرغ من كل ما هو جميل .. كم يستبد بنا الحنين لتلك الذكريات الجميلة التي كانت في " الزمن الجميل " .. ففيها دومًا حنين وسعادة .. وربما الهروب من واقع حياة " العولمة " و " الحضارة " الزائفة .

 ( الكاتب ) 
-------------------------------

" وللأسطورة وجه آخر " ؟؟!!
( الرجل الأسطورة )

 ... لا زلت أذكر وبشكل جيد تلك الواقعة الطريفة والتي كان لها علاقة ما بطريقة أو بأخرى لتعلقي بالأدب والكتابة .. وكنت يومها في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية وذلك في ( سنة 1955م ) بمدرسة غزة الجديدة الابتدائية ؛ وكان من يقوم بتعليمنا مادة اللغة العربية هو الأستاذ / عبد اللطيف عبيد ( أبو سهيل ) رحمه الله .. وكان الأستاذ عبد اللطيف قد أحضر معه في الحصة قصة ؛ بل لعلها رواية أو ملحمة من أجزاء ؛ وهي تلك الرواية أو الملحمة المسماة  ( الملك سيف بن ذي يزن ) ؛ وطلب منا الاستماع إليه وهو يقص علينا أحداث الرواية أو الملحمة أو الأسطورة ..
 بدوري .. فقد كنت أنصت للمعلم بانتباه شديد وأنا أتتبع أحداث الرواية " الملحمة " التي كان يسردها علينا الأستاذ بأسلوبه المشوق الجميل .
 كان الأستاذ قد وصل بنا - أثناء السرد - إلى مرحلة حاسمة من النص الأدبي للأسطورة .. خاصة إلى ذلك الجزء الحساس والمهم في منعطف الأحداث الذي كان يدور حول قيام ( السـاحرة ) بذبح " الملك سيف بن ذي يزن " وهو ما زال طفلاً صغيرًا .. وكانت التوصية " النبوءة " تقول بعدم إراقة أي نقطة دم بالمطلق من دماء الملك سيف خارج " الطشت " أي الإناء أو الوعاء المعد للذبح ؟؟!! .. وإلا فإن الملك سيف سوف يحيا مرة أخرى وتموت الساحرة فورًا .. 
 ولما استعدت الساحرة للذبح وتأهبت للأمر وقد أعدت للأمر عدته .. وأعدت كامل الاستعداد وبشكل جيد .. وأمسكت بالسكين بعد أن شحذت شفرتها بشكل جيد .. وأمسكت برقبة الطفل ( الملك سيف بن ذي يزن ) .. وتهيأت للذبح .. بل وقد هوت بالسكين على رقبته ؟؟!! .. وكنت بدوري مصغيًا بشكل جيد للأحداث المتلاحقة بأنفاس متقطعة وأعصاب مضطربة .. في انتظار ما ستؤول إليه الأمور .. وماذا سيحدث للملك " سيف بن ذي يزن " ؟؟!! .. فقد حدث الأمر المفاجئ فجأة وبدون سابق إنذار ؟؟!!.
 فلقد قرع جرس المدرسة إيذانًا بانتهاء الحصة ؛ وتوقف المعلم عن إكمال السرد وقام بإغلاق الكتاب الذي كان يقرأ منه وهتف بنا - وهو يبتسم ابتسامته الساحرة - .. بتلك العبارة التليدة :
 " بكره بأكمل لكم الرواية " ؟؟!! .. ( غداً سأكمل لكم الرواية ) ..
 ومن العجب العجاب .. بأن ( بكره .. غداً ) هذا لم يأتِ أبدًا .. وحتى اليوم ؟؟!! .
 ... وبعد مرور سنوات وسنوات طوال على ذلك الموقف ... أصبحت تلك العبارة لازمة للحديث بيننا ( بيني وبين الأستاذ عبد اللطيف عبيد ) في كل مرة ألتقيه فيها وحتى الآن .. 
فأقول له مبتسمًا مداعبًا : " ما بدك تكمل لنا الحكاية يا أستاذ ؟؟!! ".
 فيقول لي مبتسماً مداعباً كعادته : " هو انت لسه فاكر ؟؟!! ". 
 فأقول له ضاحكاً : " وهو أنا عمري راح أنسى ؟؟!! ".
 ومن العجيب والغريب .. بأنني حاولت فيما بعد اقتناء تلك الرواية الأسطورة والملهاة الكبيرة العجيبة " الملك سيف بن ذي يزن " .. ولقد حزت عليها بالفعل بكامل أجزائها .. وبمختلف منشوراتها الزمانية والتاريخية والجغرافية .. ولكني لم أعثر على ذلك المقطع من نص الرواية ( الملهاة - الأسطورة ) الذي توقف عنده الأستاذ المعلم أثناء سرده المشوق ؟؟!! .. 
إذ يبدو بأن لطريقة السرد للموقف والتوقيت واللحظات تأثيرها المميز على النص ؟؟!!
 ... وكانت وفاة الرجل قبل عدة أيامٍ خلت ... وكان لزامًا عليّ كما هو الحال بالنسبة للآلاف المؤلفة من تلاميذه الذين أصبحوا رجالًا وكهولًا .. وأبنائه وأصدقائه ومريديه .. كان لزامًا علينا أن نقوم بتقديم واجب العزاء ووداع الرجل القدير .
 .. طابور المعزين المودعين كان طويلًا طويلا .. الكل كان يقوم بإلقاء  نظرة الوداع الأخير على الرجل الذي كان قد ملأ الدنيا نشاطًا وعطاءً .. والذي اشتهر بالوطنية على مدى سنوات عمره الطويل ... وشهد له القاصي والداني بدوره البطولي الوطني الخالد في حب الوطن وخدمته ... وأصبح الرجل بمثابة " الأسطورة " الوطنية التي يشهد بها الجميع ... 
وكان عليّ أن أقف في الطابور لوقت طويل .. كان ذلك الوقت كافيًا لأن أستعيد  كل تلك الذكريات الجميلة التي كانت أيام الزمن الجميل .. قبل أكثر من ستة عقود خلت .. أيام هذا الرجل الجميل .
 وفي النهاية .. وجدتني أقف أمام ذلك الجسد المسجى للرجل العملاق .. .. وقفت إلى جانب الجسد لبعض الوقت .. أتأمل قسمات وجهه وأتفرس ملامحه .. 
 ملت ناحية الوجه وطبعت قبلة حارة على جبينه إكباراً واعتزازًا وتقديرًا .. .. وجدتني بلا وعي أهمس في أذنه :
 .. " متى ستكمل لنا الملحمة يا سيدي " ؟؟!! .
 فتح الرجل عينيه ؛ وثمة ابتسامة غريبة ترتسم على محياه  .. وثمة تمتمات هامسة برقة وعذوبة وسلاسة تنطلق من بين شفتيه ...
 " .. ستكتمل الملحمة يا ولدي قريبًا .. قريبًا جدًا .. عندما يتحرر الوطن " ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق