بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 15 نوفمبر 2018

بطل مختلف /بقلم الشاعر/ سليم عوض عيشان

" بطل مختلف " ؟؟!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
----------------------------------

( آخر ما جادت به قريحة الكاتب ولم يسبق نشر النص من قبل ) .
تنويه :
 النص جاء انعكاسًا للأحداث الجسيمة التي تعرض لها " رجال المقاومة " الفلسطينية في غزة .. إثر ذلك الاعتداء الوحشي اللئيم الغادر للعدو .
إهداء :
 إلى كل شهداء الحدث ..
إهداء خاص :
 إلى الشهيد البطل .. بطل النص ...  " بطل مختلف " ... 
( الكاتب )
---------------------
" بطل مختلف " ؟؟!!
 رويدك يا سيدي .. رويدك بالله عليك .. يبدو بأنك ومنذ البداية تعطيني أكثر من حقي .. وتصفني بصفة أكثر مما أستحق بكثير .. فلست أنا بالطبع بالبطل الذي تحاول أن ترسم صورته البطولية في ذهن القارئ ( المتلقي ) من جانبك .. ولست أنا بالمقاوم البطل الذي يحمل المدفع ويقارع العدو .. فلست أنا سوى إنسان عادي .. عادي جدًا يا سيدي .. ولم يدر في خلدي في يوم من الأيام أن أكون بطلاً .. ولم يخطر ببالي بأن يكتب عني أحد ما .. ويصفني بالبطل .. فأنا لست سوى إنسان عادي .. يعيش في الظل .. ويسعى على رزقه ورزق عياله وتحصيل قوت يومه ..
كل ما في الأمور ؛ بأن القدر قد ساقني إلى ذلك المكان قدرًا .. ذلك المكان الذي حدثت فيه المجزرة .. تلك المجزرة التي ارتكبها العدو اللئيم  بغدر وخسة ونذالة ضد ثلة من رجال المقاومة الأشاوس .. فقد كان قدري أن أكون على مقربة من موقع الحدث .
 لقد شاهدت الحدث بأم عيني ومنذ بداية الموقف ..
 لقد كان الحس الوطني وشفافية الحضور  لدى مجموعة رجال المقاومة تلك .. عالي التحسب لما بدا عليهم من يقظة وانتباه  ؛ فبمجرد اقتراب تلك الحافلة من مكان تجمعهم أصابت أفراد المجموعة عوامل الريبة والشك ... وكان الحدس قد سيطر على كل مشاعرهم وكأنه الوحي الروحي الذي شخص لهم الأمر بأن تلك الحافلة هي حافلة مشبوهة ولم تكن بريئة بما فيه الكفاية ؛ فساورهم الشك بركاب الحافلة رغم مظهرهم العادي الذي لم يكن يوحي بالريبة والشك .
 مجموعة من الرجال هم من ترجلوا من الحافلة بعد أن أمرها رجال المقاومة بالتوقف وترجل الركاب منها .
 ثمة مجموعة من الرجال بدوا في مظهرهم كمواطنين عاديين جدًا لا يثيرون الريبة أو الشك وقد ارتدوا الملابس والأزياء المحلية ... ومنهم من كان يحمل العصا يتوكأ عليها ويبدو كشيخ هرم  .. وآخر كان يبدو على شكل مريض ومصاب وكان يسير على " العكاز الطبي " .
 الأمر وبشكل عام كان يبدو طبيعياً جدا لسكان محليين يتنقلون  في المكان وبشكل عادي .. ولكن الريبة والشك كانت لا تزال تعشش في قلوب وأذهان وعقول رجال المقاومة ..
 بشكل مفاجئ وغريب وبدون سابق إنذار .. لم يلبث أن تغير الحال .
 فبعد ترجل أولئك الرجال من الحافلة ولم يتبق سوى بعض النساء بالداخل .. لعلهن كن أربع نساء .. كانت الأمور تأخذ منحىً غريباً ومفاجئاً .
 قامت النسوة المتواجدات بداخل الحافلة بفتح نيران أسلحتهن الرشاشة  وبشكل غزير على رجال المقاومة الذين فوجئوا بالأمر رغم أن الريبة  والشك كانت لا تزال تسيطر عليهم ..
 سقط من سقط من رجال المقاومة شهيدا .. وما إن استعاد بقية رجال المقاومة رباطة جأشهم ... وتبدد تأثير المفاجأة حتى كانوا يقومون بفتح نيران أسلحتهم الرشاشة على الحافلة ومن فيها وذلك بعد أن اندفع إلى داخل الحافلة أولئك الرجال الذي كانوا قد ترجلوا منها .. وقاموا بالفرار من المكان بسرعة جنونية وبشكل غريب .
 المشهد برمته كان على مرأىً ومسمعٍ مني ... فما أن تمالك رجال المقاومة زمام الأمور حتى بدأوا بمطاردة الحافلة الهاربة فأمطروها بوابل من الرصاص ..
 ويبدو بأن المفاجآت لم تنته ولم تتوقف عند هذا الحد .. فلقد بدأت السماء ترعد وتبرق وتعصف وتمطر .. وتطلق وابل نيرانها الكثيفة على رجال المقاومة الذين كانوا يطاردون الحافلة ؟؟!! .
 لم يكن رعد وقصف وجحيم نيران السماء سوى ذلك القصف الصاروخي والمدفعي للطائرات الحربية العسكرية وطائرات الاستطلاع للعدو .. والتي أمطرت رجال المقاومة بوابل من الصورايخ والقذائف المتلاحقة .
 لقد تداخلت الأمور وبشكل سريع ومفاجئ ؛ فقد بدا الأمر واضحًا جليًا بأن تلك الحافلة كانت تقل عددًا من رجال المخابرات والأجهزة الأخرى للعدو .. وأصبح الأمر واضحًا جليًا بأن أولئك الأشخاص الذين كانوا يستقلون الحافلة  كانوا بصدد القيام بمهمة استخبارية معقدة وحساسة .. بقصد اختطاف بعض رجال المقاومة العسكرين والسياسيين على حدٍ سواء من رجال الصف الأول .. بهدف الحصول منهم على معلومات استخبارية هامة .. والقيام بالمهام السرية الأخرى من أجل اختراق الجبهة الداخلية .
 ولعل من تلك الأهداف ؛ هو خطف بعض الشخصيات الوطنية الحساسة ذات العلاقة الوثيقة بالمقاومة من أجل المساومة عليهم في قضية الجنود الأسرى للعدو والموجودين لدى المقاومة الفلسطينية ومنذ الحرب المجنونة الأخيرة على غزة قبل أكثر من أربع سنوات .
 ولكن العناية الإلهية تدخلت لكي تفشل خطة العدو اللئيم وتم اكتشاف أمر تلك الخلية للمجموعة المدربة تدريبًا عسكريًا واستخباراتيًا وعلى أعلى المستويات .. فاصطدمت بحاجز رجال المقاومة الذين شكوا في أمرهم واشتبكوا معهم .. وأدى الأمر في النهاية إلى استشهاد مجموعة من رجال المقاومة وقتل ضابط صهيوني برتبة عالية وإصابة آخرين من رجال العدو .
 .. وما إن همت الحافلة بالفرار ومغادرة المكان وذلك بعد أن حاول جنود العدو الفرار  تحت ستار كثيف من قصف الطيران الحربي العسكري .. وبعد أن اشتبك معهم رجال المقاومة الأشاوس .. حتى كانت مجموعات أخرى من رجال المقاومة تقوم بمطاردتهم وإطلاق نيران أسلحتهم الرشاشة نحوهم .
 ... في خضم تلك الأمور المتسارعة ... وجدتني وبحركة غريبة أبادر بملاحقة تلك الحافلة وركابها وأنا الأعزل من أي سلاح اللهم سوى سلاح الإيمان  والحس الوطني المرهف .
 وسيلة المطاردة خاصتي ؛ لم تكن سوى تلك الدراجة " التكتك " التي كنت أستعملها في العادة لنقل البضائع والحاجيات للسكان المحليين مقابل أجور رمزية  تكفي بالكاد لإعالة أسرتي كبيرة العدد ..
 شعرت وكأن قوة خفية رهيبة تدفعني لملاحقة تلك الحافلة وأنا الأعزل من أي سلاح .. وسط إطلاق نيران كثيف  نحوي من ركاب تلك الحافلة المشبوهة .. ووسط إطلاق نيران كثيف نحوي من الطائرات  الحربية للعدو .. فكنت أشعر بتلك الرشقات والزخات من الأسلحة وهي تتناثر من حولي في كل اتجاه .. وأشاهد وأسمع ذلك الصخب المدوي من حمم الجحيم التي كانت تتساقط من سماء المعركة .
 كم كنت أشعر وفي قرارة نفسي بالفخر والسعادة وأنا أقوم بهذه المهمة الوطنية بمطاردة تلك الحافلة  وأولئك الأشرار .. وشعرت بأن جنود الله من الملائكة كانت تقف إلى جانبي وتقوم بحمايتي على مدار الوقت ..
 وفي لحظة من اللحظات التي هي من وراء الزمن ؛ شعرت بأنني قد أدركت تلك الحافلة واستطعت اللحاق بها بالفعل .. فقمت بالاصطدام بها بوسيلة المواصلات البدائية والبسيطة خاصتي ( التكتك ) التي كنت أقودها بسرعة كبيرة .. فشعرت بقوة الاصطدام ومدى تأثيرها على تلك الحافلة التي أخدت بالاهتزاز والاضطراب .. وبدوري .. فقد صممت على ملاحقة تلك الحافلة من جديد .. والاصطدام بها مرة أخرى .
 يبدو بأن الأمور كانت تتلاحق بسرعة غريبة .. فقد شعرت بأنني أصحبت خفيفًا كعصفور رقيق .. شعرت بأن روحي قد انفصلت عن جسدي وأصبحت حرة طليقة تهيم في الفضاء الفسيح وتصعد إلى أعالي السماء وقد تحررت  من جسدي الذي كانت قد اخترقته عشرات العشرات من مقذوفات الرصاص والقذائف .. فتلتقي بأرواح أولئك الشهداء الذين كانوا قد سبقوني إلى الشهادة قبل قليل .
 حدث هذا .. بعد أن شاهدت  إحدى طائرات العدو المروحية وهي تحاول انتشال  مجموعة جنود العدو المذعورين  .. بينما كان رجال المقاومة يقومون بإمطارهم بوابلٍ من زخات الرصاص  الذي اخترق أجسادهم النجسة مما أدى إلى مقتل كبيرهم وإصابة آخرين بجراح  خطرة .
 ... هل عرفت من أنا يا سيدي ؟؟ ..هل عرفت  كيف أنني كنت قد قمت بهذا العمل بحسي الوطني  فحسب ...
  فها أنا بكفي الأعزل ... وبهذا " التكتك " الواهن قد تحديت آلة العدو وسلاحه وطائراته .. 
 فاكتب يا سيدي .. اكتب عني .. ولكن لا تقل  عني البطل ... فأنا لست سوى إنسان عادي  قمت بواجبي الوطني بجهودي وإمكانياتي المتواضعة .. بل المتواضعة جدا ..
 اكتب يا سيدي عني ... ولكن قبل أن تكتب عني أكتب عن أولئك الشهداء الأبطال الميامين ... الذين استحقوا البطولة والشهادة عن جدارة .. وسبقوني إلى الجنة ...

... انتهى النص ...  وما زال صوت سائق " التكتك " الشهيد يطاردني بقوة  :
 فاكتب يا سيدي .. اكتب عني .. ولكن لا تقل  عني البطل ... فأنا لست سوى إنسان عادي  قمت بواجبي الوطني بجهودي وإمكانياتي المتواضعة .. بل المتواضعة جدا ..
 اكتب يا سيدي عني ... ولكن قبل أن تكتب عني أكتب عن أولئك الشهداء الأبطال الميامين ... الذين استحقوا البطولة والشهادة  عن جدارة .. وسبقوني إلى الجنة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق