الحلقه (٦٨) من قصة مأساة امراه
بقلم الشاعره/امال مصطفى الشامى
**************************
كانت الليله الاخيره تحمل اتعس الاوقات التى مريت بها فى حياتى ما بين بكائى وانهيارى وانا انتظر شمس الوداع تشرق من شباك غرفتى .لم يتوقف لسانى عن نطق اسم شرف طوال الليل والدبدوب فى حضنى غارق بالدموع . فى هذه اللحظه كان الجميع صاحى بالخارج يستمعون الى بكائى وانينى وهم لا يستطيعو ان يفعلو لى شىء .لم يستطيع احد ان يتكلم معى ولم يستطيع احد يوقفنى عن البكاء ظليت على هذا الوضع حتى الساعه العاشره صباحا مما جعل ابى يدخل حجرتى ويأخذنى للخارج بالإجبار قائلا : انتى كده بتموتى نفسك عشان واحد ميستاهلش . اخذنى ابى فى أحضانه وظل يهدينى ويمسح دموعى ولكنى لم اعد اشعر بحضن احد فالحضن الحقيقى رحل والدموع لم تتوقف فاليد التى كانت تمسحها رحلت هى الاخرى . اخذنى ابى الى حجرته ونيمنى على زراعه كالطفله واخذ يتكلم معى عن طفولته وماضيه قائلا : كل حاجه فى اولها بتكون صعبه بس مع الايام هتنسى انتى لازم تبقى قويه متخليش حزنك يسيطر عليكى هندخل فى مرحله وحشه احنا فى غنا عنها انا عارف ان انتى بتحبى شرف اوى بس لازم تبلعى الصدمه دى عشان تعرفى تقومى تقفى تانى وتكملى حياتك انتى لسه صغيره والعمر قدامك طويل والف واحد يتمناكى وبكره تتخطبى تانى ويجى واحد تانى وتحبيه . كانت دموعى تتساقط على زراع ابى مما جعله يقول مافيش فايده يا امل انتى عارفه عيبك ايه انك لما بتحبى بتحبى اوى وبتدى مشاعرك كلها وده غلط .شوفى انتى دلوقتى مموته نفسك من العياط وهو دلوقتى فين ؟ نايم ولا على بالو وهيصحى يروح شغله ويروح لصحابه ويلعب كوره وعايش حياته وبكره يخطب تانى ويتجوز وانتى زيك زى اللى فاتو وقلتلك قبل كده مسمعتيش كلامى . لم استطيع ان اجيبه بكلماتى فدموعى هى التى كانت تجيبه .ظليت ابكى حتى انهلك قلبى من البكاء فلم اجد نهايه لهذا الوجع كنت اشعر وكأننى اختنق لم اجد نهايه لهذا العذاب القاتل الذى اتجرع مرارته فى كل نفس اتنفسه . نام ابى وانا ماذلت ابكى وابكى خرجت من حجرة ابى ثم ذهبت الى امى فى الحجره الاخرى فلم اجد احد كانت الحجره فارغه ولكنى وجدت موبيل امى امامى على الترابيزه كنت انظر اليه وانا سارحه ثم اقتربت منه دون ان اشعر بنفسى وطلعت رقم شرف ثم نقلته فى ورقه واخبئتها . مش عرفه ليه عملت كده؟وايه الفايده ؟ كنت حسه زى مايكون معايا المفتاح بس مش لقيا الباب . هعمل ايه بالرقم طالما باب الرجوع اتقفل . كنت زى الميت اللى بيقاوم الموت وهو بيلفظ انفاسه الاخيره . وفجأه لقيت ماما داخله الاوضه وبتقولى :انا هروح انام . وبالفعل نامت امى ودخل اخى حجرته لينام هو الاخر وتركونى وحدى اتهاون مع اوجاعى وكانت الساعه العاشره ونصف صباحا كانت الشقه هدوء والجميع نائم ولا يدرون بما اشعر به وحدى كنت امشى فى الشقه بكل حزن واذ بى التفت الى البلاكونه لاجد شمس الوداع وكأنها تنادينى ان ادخل البلاكونه فتوجهت الى الشمس بالخطوات البطيئه وقلبى يحترق .دخلت البلاكونه فوجدت الكرسيين الذين كنا نجلس عليهم انا وشرف. كنت ارى نفسى مع شرف نتكلم ونضحك ثم اختفينا . وظلو الكراسى فارغه. كيف اتحمل ان ارى ذلك الكرسيين فارغين وكيف اجلس عليه وحدى ؟ كيف اجلس عليه بدونه وكرسيه فارغ امامى وسيظل فارغ للابد . كنت اتلمس كرسيه بيدى ودموعى تسيل . ثم نظرت الى اعلى فوجدت قفص العصافير . وقفت امامهم ومسحت دموعى ثم مديت يدى من بين اسلاك القفص واخذت قطعه من طعام العصافير وبعدها نظرت الى الارض وجدت ريشه ساقطه من القفص امسكتها مع قطعة الطعام واخبئتهم بين يدى ليكونو اخر ذكرى من ذلك العصفورين( امل وشرف ) مر الوقت حتى المساء دون ان يأتى على .فقد غابت شمس الوداع ولكن دموعى لا تغيب .وفجاه دخل ابى حجرتى وقال :على جاى بعد ساعه تعالى يا امل طلعى اى حاجه فى دولابك تخص شرف . كنت انظر له وانا ابكى واقول بداخلى :الذى يخص شرف هو قلبى فكيف لى ان انزع قلبى . ولكن كان ابى متجاهلا دموعى وكان مستمرا فى قوله : طلعى كل اللى عندك ولكنى لا استطيع ان اعطى لابى كل شىء بل كنت اخبئ بعض الاشياء التى اهداها لى شرف حتى تظل معى ذكرى منه . فهذه الاشياء استطعت ان احتفظت بها طوال سنه كامله كيف افرط فيها الان ؟ وبرغم انها أشياء صغيره ولكن كانت تحمل معانى كبيره بالنسبه لى فمن ضمن تلك الاشياء ( وردة الخطوبه وهى ورده حمراء قطفها شرف لى من بوكيه الخطوبه يوم الفرح وكانت معها وردتى ايضا التى قطفتها له ورفض ان يأخذها فاحتفظت بهما سويا وانا اتذكر جملته حين قال ( خلى الوردتين مع بعض عشان ميفرقوش بعض ابدا ) فاحتفظت ايضا بتذاكر القلعه والهرم التى تحمل اجمل ايام عمرى وكان معهم شنطه بها اچنده وقلم وكروت فارغه اهداها لى شرف ذات يوم وكان من بينهم كرت كتبه لى شرف بخط يده .اخبئت فى يدى الكرت الذى كتبه شرف وفى يدى الاخرى اخبئت تذاكر القلعه والهرم واعطيت لابى باقى الشنطه ولكن وانا امد يدى لابى بالشنطه لمحت بداخلها نصف المادليا القلب مما جعلنى امسك بالنشطه للمره الثانيه وانا منهاره فى البكاء واحاول اخذ المادليا ولكنى لا استطيع فلقد اخذ ابى الشنطه بالقوه قائلا : لسه عايزه تحتفظى بحاجته بعد ماباعك . رديت وانا منهاره وقلتلو : مش كفايه خدتوه منى عايزين كمان تحرمونى من ذكرياتو . رد ابى : اخرصى مافيش فايده فيكى خليكى كده لحد ما تموتى وهو مش على بالو . وقبل ان يخرج ابى من الحجره امسكت بالكتاب الذى بداخله الجوابات والورقه التى بها كلمة بحبك بدمى واعطيته لابى . اخذه منى ابى ووضعه داخل الشنطه الكبيره . فكنت انظر الى الكتاب واقول ليتنى ورقه لاضع نفسى بداخلك ولكنى تفاجئت بأبى يقول : اوعى تكونى كاتبالو حاجه فى الكتاب ده . قلتله : ده كتاب دينى هكتب فيه ازاى . نظر ابى داخل الشنطه بتاعت الكتاب وقفلها.ساعتها حمدت ربنا انى خليت صفحات الكتاب الى الجهه السفلية من الشنطه وانه ماخدش بالو من الاوراق اللى جوه الكتاب .اتجه ابى الى باب الحجره وقال : فى حاجه تانى تخص شرف هنا ؟ قلتله: مافيش .ولكنى اخفى فى يدى ما تبقى منه. خرج ابى من الحجره وظليت انا وحدى انظر الى اماكن الاشياء التى اخذها ابى فوجدت اماكنهم اصبحت فارغه فنظرت الى مكان المادليا وتذكرت شرف حين قال : انا هاخد النص وانتى خدى النص التاني عشان نفتكر بعض يا ستى لحد ماجيلك يوم الجمعه ) ثم وبعدها اقتربت من رف الكتاب وافتكرت شرف يوم ماجالى تحت البيت وحطلى الكتاب فى السبت وشاولى بأيدو وقال مع السلامه .فتنبهت لنفسى وجدتنى اردد(مع السلامه يا اغلى حاجه فى حياتى ) سيظل مكان الكتاب والمادليا فارغ فلم احمل ذكرى من احد بعدك فالذكريات الذى تركتها فى ذهنى تكفينى وجعا .مسحت دموعى بيدى ثم التفتت الى سريرى فرأيت دبدوب شرف انه الذكرى الاخيره .اقتربت منه وامسكته بيدى واخذته فى احضانى وضميته بقوه وفجأه سمعت صوت ابى يقول فين الدبدوب يا امل .خرجت به من الحجره وانا ضماه فى صدرى فاخذته منى امى وقالت : بتحضنى الدبدوب بعد ماقال لابوكى عايز حاجتى كلها ده احنا المفروض نقطعهوله . اخذت منها الدبدوب وقلتلها : لا متقطعيهوش سيبهولو زى ماهوا . رد بابا وقال : بيفضل الحاجه عليكى عايز حاجته كلها ويبيعك انتى وفاكر ان حاجته اغلى منك خليه يشبع بيها . كنت ابكى بحرقه واقول فى سرى (ياريتنى حاجه من حاجته) وبعد ان لمو حاجة شرف كامله اخذها ابى الى الشقه الفاضيه اللى موجود فيها جهازى فى الدور اللى تحت عشان لما (على) يجى ميطلعش واشوفو تخيلا من بابا انى لو شوفت (على) ممكن انهار قدامه. كان الجميع فى انتظار (على) إلا انا .لم انتظر احد فلقد فقدت شعور الانتظار منذ رحيل شرف فلم استطيع ان انتظر سوى الموت .كان الجميع يجلس فى الصالون وانا وحدى اجلس فى البلاكونه مكان شرف وعلى نفس كرسيه استمع الى صوت العصافير الذى يتلاشى بعد ساعه .لم تفارقنى دموعى بل كانت تذداد كلما اقتربت تلك الساعه الملعونه .يالها من لحظات قاتله لا استطيع وصفها إلا (بقاتله )لانها بالفعل اللحظات الاخيره التى بعدها سوف تنتهى حياتى بأكملها .كان ينادينى ابى بين اللحظه والاخرى قائلا : كفايه عياط يا امل هتموتى نفسك هتفضلى قاعده لوحدك كده لحد امتى . كانت هى تلك الجمل التى كانت تتردد طوال الوقت فى اذنى وبعد ان غلب معى ابى دخل البلاكونه وقال : ادخلى جوه يا امل عشان (على )وهو جاى ميشوفكيش وانتى نايمه على سور البلاكونه كده وبتعيطى قومى يا حبيبتى ادخلى جوه . سبتهم ودخلت حجرة الكمبيوتر وقفلت الباب عليا لا اريد ان اعرف ما الذى يحدث بالخارج اريد ان افقد ذاكرتى اريد ان افقد وعى بالحياه .جلست امام الكمبيوتر وانا ابكى فوجدتنى امسك بالماوس وادخل على صور الخطوبه التى كانت فى يوما بدايه سعيده لقصة حبى والان اصبحت ما هى إلا مجرد صور لاشخاص حكم عليهم بالفراق الابدى . كنت انظر لصورته وهو يلبسنى الشبكه ثم انظر الى يدى الفارغه . اين دبلتى ؟ واين يديك التى كانت تمسك بيدى؟ كنت اقلب فى باقى الصور ودموعى تتساقط حتى وجدت صور رحلة القلعه والهرم التى حينما ظهرو على الشاشه شعرت وكأننى وضعت كمية ملح على جرحى العميق المفتوح ولم ابالى بالالم رغم قوته فلقد وضعت يدى على الشاشه واخذت اتلمس وجه شرف وكأنى بودع ملامحه . تركت صورته على الشاشه وقمة بتشغيل اغنيه (الحلم الجميل) التى كانت تحمل كلمات تنغز فى قلبى ألم لم يحتمله بشر . فى ذلك الوقت تفاجئت بابى يفتح باب الحجره ويقول : اوعى تفتحى الباب ده ثم خرج وقفل الباب . عرفت وقتها ان على جه تحت وبياخد الحاجه . والاغنيه ما ذالت مستمره مع ظهور صور شرف على الشاشه وكانت الاغنيه تقول ( الحلم الجميل البيت الصغير كله راح كله اتكسر كله اتغير وفضيت علينا الدار والوحده زى النار راحو اللى كانو بيمسحو بإيدهم دموعنا راحو اللى كنا بنرمى فى احضانهم وجعنا ) كان صوت بكائى يعلو مع صوت الاغنيه حتى دخلت امى عليا وانا فى لحظات انهيار تام ثم اخذتنى فى حضنها واخذت تبكى فى الاخرى وتقولى كفايه هتموتى . انها لم تعرف اننى سوف اموت بالفعل ولكن موت بالبطئ . كنت اصرخ وقول : على جه ؟ خد الحاجه خلاص ؟ كانت تهدينى امى وتقول لسه مجاش . والله مجاش .قلتلها : اومال ليه بابا قالى متفتحيش الباب .قالتلى :عشان على اتصل وقال انه جاى فى الطريق . كنت انظر لامى وانا لا استطيع ان اقاوم هذا الوجع الرهيب . اريد ان اوقف عقارب الساعات باكملها فكان انتظاري لحضور على كا انتظار الموت . مما جعل امى تخرج وتقفل الباب حتى لا اعرف متى تأتى هذه اللحظه . كنت فى انتظار موتى فكنت انتظر نهايتى لحظه تلو الاخرى .وفجأة. دخل ابى وفى يده حاجتى نظرت للشنطه ووضعت يدى على فمى وامسكت نفسى بكامل قوتى ولكن لم اتحكم فى دموعى . وكانت الصدمه حينما فتح ابى الشنطه وطلع صور الخطوبه ممزقه تماما . فعندما اقتربت منها وجدتها تحمل صورتى انا فقط ومنزوع منها صورته . فلقد رأيتها مقصوصه بالمقص بيد قاسيه وقلب جاحد لا يرحم . انها اليد التى فصلت صورتى عن صورته وحرمتنى من وجوده بجانبى حتى فى الصوره. ثم وجدت اسطوانات الفرح متكسره ومعهم الهدايا والورد وجواباتى كامله دون ان يحتفظ بشيئا واحدا منى . ولم يكتفى ابى بهذه الصدمات المدمره فوجدته يقول لى : على بيقولى شرف مسح الصور بتاعت بنتك من على الكمبيوتر بتاعه صور الفرح والقلعه والهرم . كنت بصرخ وبقع منهم فى الارض من شدة الوجع اللى فى قلبى وكأنى عايزه امد ايدى واشيل قلبى من جوايا من شدة الالم اللى انا حساه .
الى اللقاء فى الحلقه القادمه والاخيره
بقلم الشاعره/امال مصطفى الشامى
**************************
كانت الليله الاخيره تحمل اتعس الاوقات التى مريت بها فى حياتى ما بين بكائى وانهيارى وانا انتظر شمس الوداع تشرق من شباك غرفتى .لم يتوقف لسانى عن نطق اسم شرف طوال الليل والدبدوب فى حضنى غارق بالدموع . فى هذه اللحظه كان الجميع صاحى بالخارج يستمعون الى بكائى وانينى وهم لا يستطيعو ان يفعلو لى شىء .لم يستطيع احد ان يتكلم معى ولم يستطيع احد يوقفنى عن البكاء ظليت على هذا الوضع حتى الساعه العاشره صباحا مما جعل ابى يدخل حجرتى ويأخذنى للخارج بالإجبار قائلا : انتى كده بتموتى نفسك عشان واحد ميستاهلش . اخذنى ابى فى أحضانه وظل يهدينى ويمسح دموعى ولكنى لم اعد اشعر بحضن احد فالحضن الحقيقى رحل والدموع لم تتوقف فاليد التى كانت تمسحها رحلت هى الاخرى . اخذنى ابى الى حجرته ونيمنى على زراعه كالطفله واخذ يتكلم معى عن طفولته وماضيه قائلا : كل حاجه فى اولها بتكون صعبه بس مع الايام هتنسى انتى لازم تبقى قويه متخليش حزنك يسيطر عليكى هندخل فى مرحله وحشه احنا فى غنا عنها انا عارف ان انتى بتحبى شرف اوى بس لازم تبلعى الصدمه دى عشان تعرفى تقومى تقفى تانى وتكملى حياتك انتى لسه صغيره والعمر قدامك طويل والف واحد يتمناكى وبكره تتخطبى تانى ويجى واحد تانى وتحبيه . كانت دموعى تتساقط على زراع ابى مما جعله يقول مافيش فايده يا امل انتى عارفه عيبك ايه انك لما بتحبى بتحبى اوى وبتدى مشاعرك كلها وده غلط .شوفى انتى دلوقتى مموته نفسك من العياط وهو دلوقتى فين ؟ نايم ولا على بالو وهيصحى يروح شغله ويروح لصحابه ويلعب كوره وعايش حياته وبكره يخطب تانى ويتجوز وانتى زيك زى اللى فاتو وقلتلك قبل كده مسمعتيش كلامى . لم استطيع ان اجيبه بكلماتى فدموعى هى التى كانت تجيبه .ظليت ابكى حتى انهلك قلبى من البكاء فلم اجد نهايه لهذا الوجع كنت اشعر وكأننى اختنق لم اجد نهايه لهذا العذاب القاتل الذى اتجرع مرارته فى كل نفس اتنفسه . نام ابى وانا ماذلت ابكى وابكى خرجت من حجرة ابى ثم ذهبت الى امى فى الحجره الاخرى فلم اجد احد كانت الحجره فارغه ولكنى وجدت موبيل امى امامى على الترابيزه كنت انظر اليه وانا سارحه ثم اقتربت منه دون ان اشعر بنفسى وطلعت رقم شرف ثم نقلته فى ورقه واخبئتها . مش عرفه ليه عملت كده؟وايه الفايده ؟ كنت حسه زى مايكون معايا المفتاح بس مش لقيا الباب . هعمل ايه بالرقم طالما باب الرجوع اتقفل . كنت زى الميت اللى بيقاوم الموت وهو بيلفظ انفاسه الاخيره . وفجأه لقيت ماما داخله الاوضه وبتقولى :انا هروح انام . وبالفعل نامت امى ودخل اخى حجرته لينام هو الاخر وتركونى وحدى اتهاون مع اوجاعى وكانت الساعه العاشره ونصف صباحا كانت الشقه هدوء والجميع نائم ولا يدرون بما اشعر به وحدى كنت امشى فى الشقه بكل حزن واذ بى التفت الى البلاكونه لاجد شمس الوداع وكأنها تنادينى ان ادخل البلاكونه فتوجهت الى الشمس بالخطوات البطيئه وقلبى يحترق .دخلت البلاكونه فوجدت الكرسيين الذين كنا نجلس عليهم انا وشرف. كنت ارى نفسى مع شرف نتكلم ونضحك ثم اختفينا . وظلو الكراسى فارغه. كيف اتحمل ان ارى ذلك الكرسيين فارغين وكيف اجلس عليه وحدى ؟ كيف اجلس عليه بدونه وكرسيه فارغ امامى وسيظل فارغ للابد . كنت اتلمس كرسيه بيدى ودموعى تسيل . ثم نظرت الى اعلى فوجدت قفص العصافير . وقفت امامهم ومسحت دموعى ثم مديت يدى من بين اسلاك القفص واخذت قطعه من طعام العصافير وبعدها نظرت الى الارض وجدت ريشه ساقطه من القفص امسكتها مع قطعة الطعام واخبئتهم بين يدى ليكونو اخر ذكرى من ذلك العصفورين( امل وشرف ) مر الوقت حتى المساء دون ان يأتى على .فقد غابت شمس الوداع ولكن دموعى لا تغيب .وفجاه دخل ابى حجرتى وقال :على جاى بعد ساعه تعالى يا امل طلعى اى حاجه فى دولابك تخص شرف . كنت انظر له وانا ابكى واقول بداخلى :الذى يخص شرف هو قلبى فكيف لى ان انزع قلبى . ولكن كان ابى متجاهلا دموعى وكان مستمرا فى قوله : طلعى كل اللى عندك ولكنى لا استطيع ان اعطى لابى كل شىء بل كنت اخبئ بعض الاشياء التى اهداها لى شرف حتى تظل معى ذكرى منه . فهذه الاشياء استطعت ان احتفظت بها طوال سنه كامله كيف افرط فيها الان ؟ وبرغم انها أشياء صغيره ولكن كانت تحمل معانى كبيره بالنسبه لى فمن ضمن تلك الاشياء ( وردة الخطوبه وهى ورده حمراء قطفها شرف لى من بوكيه الخطوبه يوم الفرح وكانت معها وردتى ايضا التى قطفتها له ورفض ان يأخذها فاحتفظت بهما سويا وانا اتذكر جملته حين قال ( خلى الوردتين مع بعض عشان ميفرقوش بعض ابدا ) فاحتفظت ايضا بتذاكر القلعه والهرم التى تحمل اجمل ايام عمرى وكان معهم شنطه بها اچنده وقلم وكروت فارغه اهداها لى شرف ذات يوم وكان من بينهم كرت كتبه لى شرف بخط يده .اخبئت فى يدى الكرت الذى كتبه شرف وفى يدى الاخرى اخبئت تذاكر القلعه والهرم واعطيت لابى باقى الشنطه ولكن وانا امد يدى لابى بالشنطه لمحت بداخلها نصف المادليا القلب مما جعلنى امسك بالنشطه للمره الثانيه وانا منهاره فى البكاء واحاول اخذ المادليا ولكنى لا استطيع فلقد اخذ ابى الشنطه بالقوه قائلا : لسه عايزه تحتفظى بحاجته بعد ماباعك . رديت وانا منهاره وقلتلو : مش كفايه خدتوه منى عايزين كمان تحرمونى من ذكرياتو . رد ابى : اخرصى مافيش فايده فيكى خليكى كده لحد ما تموتى وهو مش على بالو . وقبل ان يخرج ابى من الحجره امسكت بالكتاب الذى بداخله الجوابات والورقه التى بها كلمة بحبك بدمى واعطيته لابى . اخذه منى ابى ووضعه داخل الشنطه الكبيره . فكنت انظر الى الكتاب واقول ليتنى ورقه لاضع نفسى بداخلك ولكنى تفاجئت بأبى يقول : اوعى تكونى كاتبالو حاجه فى الكتاب ده . قلتله : ده كتاب دينى هكتب فيه ازاى . نظر ابى داخل الشنطه بتاعت الكتاب وقفلها.ساعتها حمدت ربنا انى خليت صفحات الكتاب الى الجهه السفلية من الشنطه وانه ماخدش بالو من الاوراق اللى جوه الكتاب .اتجه ابى الى باب الحجره وقال : فى حاجه تانى تخص شرف هنا ؟ قلتله: مافيش .ولكنى اخفى فى يدى ما تبقى منه. خرج ابى من الحجره وظليت انا وحدى انظر الى اماكن الاشياء التى اخذها ابى فوجدت اماكنهم اصبحت فارغه فنظرت الى مكان المادليا وتذكرت شرف حين قال : انا هاخد النص وانتى خدى النص التاني عشان نفتكر بعض يا ستى لحد ماجيلك يوم الجمعه ) ثم وبعدها اقتربت من رف الكتاب وافتكرت شرف يوم ماجالى تحت البيت وحطلى الكتاب فى السبت وشاولى بأيدو وقال مع السلامه .فتنبهت لنفسى وجدتنى اردد(مع السلامه يا اغلى حاجه فى حياتى ) سيظل مكان الكتاب والمادليا فارغ فلم احمل ذكرى من احد بعدك فالذكريات الذى تركتها فى ذهنى تكفينى وجعا .مسحت دموعى بيدى ثم التفتت الى سريرى فرأيت دبدوب شرف انه الذكرى الاخيره .اقتربت منه وامسكته بيدى واخذته فى احضانى وضميته بقوه وفجأه سمعت صوت ابى يقول فين الدبدوب يا امل .خرجت به من الحجره وانا ضماه فى صدرى فاخذته منى امى وقالت : بتحضنى الدبدوب بعد ماقال لابوكى عايز حاجتى كلها ده احنا المفروض نقطعهوله . اخذت منها الدبدوب وقلتلها : لا متقطعيهوش سيبهولو زى ماهوا . رد بابا وقال : بيفضل الحاجه عليكى عايز حاجته كلها ويبيعك انتى وفاكر ان حاجته اغلى منك خليه يشبع بيها . كنت ابكى بحرقه واقول فى سرى (ياريتنى حاجه من حاجته) وبعد ان لمو حاجة شرف كامله اخذها ابى الى الشقه الفاضيه اللى موجود فيها جهازى فى الدور اللى تحت عشان لما (على) يجى ميطلعش واشوفو تخيلا من بابا انى لو شوفت (على) ممكن انهار قدامه. كان الجميع فى انتظار (على) إلا انا .لم انتظر احد فلقد فقدت شعور الانتظار منذ رحيل شرف فلم استطيع ان انتظر سوى الموت .كان الجميع يجلس فى الصالون وانا وحدى اجلس فى البلاكونه مكان شرف وعلى نفس كرسيه استمع الى صوت العصافير الذى يتلاشى بعد ساعه .لم تفارقنى دموعى بل كانت تذداد كلما اقتربت تلك الساعه الملعونه .يالها من لحظات قاتله لا استطيع وصفها إلا (بقاتله )لانها بالفعل اللحظات الاخيره التى بعدها سوف تنتهى حياتى بأكملها .كان ينادينى ابى بين اللحظه والاخرى قائلا : كفايه عياط يا امل هتموتى نفسك هتفضلى قاعده لوحدك كده لحد امتى . كانت هى تلك الجمل التى كانت تتردد طوال الوقت فى اذنى وبعد ان غلب معى ابى دخل البلاكونه وقال : ادخلى جوه يا امل عشان (على )وهو جاى ميشوفكيش وانتى نايمه على سور البلاكونه كده وبتعيطى قومى يا حبيبتى ادخلى جوه . سبتهم ودخلت حجرة الكمبيوتر وقفلت الباب عليا لا اريد ان اعرف ما الذى يحدث بالخارج اريد ان افقد ذاكرتى اريد ان افقد وعى بالحياه .جلست امام الكمبيوتر وانا ابكى فوجدتنى امسك بالماوس وادخل على صور الخطوبه التى كانت فى يوما بدايه سعيده لقصة حبى والان اصبحت ما هى إلا مجرد صور لاشخاص حكم عليهم بالفراق الابدى . كنت انظر لصورته وهو يلبسنى الشبكه ثم انظر الى يدى الفارغه . اين دبلتى ؟ واين يديك التى كانت تمسك بيدى؟ كنت اقلب فى باقى الصور ودموعى تتساقط حتى وجدت صور رحلة القلعه والهرم التى حينما ظهرو على الشاشه شعرت وكأننى وضعت كمية ملح على جرحى العميق المفتوح ولم ابالى بالالم رغم قوته فلقد وضعت يدى على الشاشه واخذت اتلمس وجه شرف وكأنى بودع ملامحه . تركت صورته على الشاشه وقمة بتشغيل اغنيه (الحلم الجميل) التى كانت تحمل كلمات تنغز فى قلبى ألم لم يحتمله بشر . فى ذلك الوقت تفاجئت بابى يفتح باب الحجره ويقول : اوعى تفتحى الباب ده ثم خرج وقفل الباب . عرفت وقتها ان على جه تحت وبياخد الحاجه . والاغنيه ما ذالت مستمره مع ظهور صور شرف على الشاشه وكانت الاغنيه تقول ( الحلم الجميل البيت الصغير كله راح كله اتكسر كله اتغير وفضيت علينا الدار والوحده زى النار راحو اللى كانو بيمسحو بإيدهم دموعنا راحو اللى كنا بنرمى فى احضانهم وجعنا ) كان صوت بكائى يعلو مع صوت الاغنيه حتى دخلت امى عليا وانا فى لحظات انهيار تام ثم اخذتنى فى حضنها واخذت تبكى فى الاخرى وتقولى كفايه هتموتى . انها لم تعرف اننى سوف اموت بالفعل ولكن موت بالبطئ . كنت اصرخ وقول : على جه ؟ خد الحاجه خلاص ؟ كانت تهدينى امى وتقول لسه مجاش . والله مجاش .قلتلها : اومال ليه بابا قالى متفتحيش الباب .قالتلى :عشان على اتصل وقال انه جاى فى الطريق . كنت انظر لامى وانا لا استطيع ان اقاوم هذا الوجع الرهيب . اريد ان اوقف عقارب الساعات باكملها فكان انتظاري لحضور على كا انتظار الموت . مما جعل امى تخرج وتقفل الباب حتى لا اعرف متى تأتى هذه اللحظه . كنت فى انتظار موتى فكنت انتظر نهايتى لحظه تلو الاخرى .وفجأة. دخل ابى وفى يده حاجتى نظرت للشنطه ووضعت يدى على فمى وامسكت نفسى بكامل قوتى ولكن لم اتحكم فى دموعى . وكانت الصدمه حينما فتح ابى الشنطه وطلع صور الخطوبه ممزقه تماما . فعندما اقتربت منها وجدتها تحمل صورتى انا فقط ومنزوع منها صورته . فلقد رأيتها مقصوصه بالمقص بيد قاسيه وقلب جاحد لا يرحم . انها اليد التى فصلت صورتى عن صورته وحرمتنى من وجوده بجانبى حتى فى الصوره. ثم وجدت اسطوانات الفرح متكسره ومعهم الهدايا والورد وجواباتى كامله دون ان يحتفظ بشيئا واحدا منى . ولم يكتفى ابى بهذه الصدمات المدمره فوجدته يقول لى : على بيقولى شرف مسح الصور بتاعت بنتك من على الكمبيوتر بتاعه صور الفرح والقلعه والهرم . كنت بصرخ وبقع منهم فى الارض من شدة الوجع اللى فى قلبى وكأنى عايزه امد ايدى واشيل قلبى من جوايا من شدة الالم اللى انا حساه .
الى اللقاء فى الحلقه القادمه والاخيره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق